مرحبًا بكم في أرشيف التاريخ والأنساب العربية – نحن نهتم بكشف أسرار التاريخ العريق والأنساب الأصيلة. لا تنسوا متابعة أحدث المقالات.

الثلاثاء، 31 ديسمبر 2024

كتاب الفخر المبين في أنساب قبيلة البياضية الأنصار

البياضية الأنصار: سِفرٌ مُجيد في ذُؤابة العُربان وعِزَّة الإسلام


صورة تجسد التقاء جيشين من فرسان العرب بين القلاع والحصون، تعبيرًا عن دور قبيلة البياضية الأنصار في مقاومة التتار، الصليبيين، الإنجليز، والفرنسيس.


 مقدمة في فضل ذكر الأنساب وتقييد المآثر


الحمدُ للهِ مُحصِي الأنفاسِ، وَمُحيِي الرِّمامِ بعد الاندراسِ، وصلى اللهُ على سيدنا محمدٍ المختارِ من خِيارِ الناسِ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ الأكياسِ، وبعد:

فإنَّ مِن عظيمِ فضلِ اللهِ على العِبادِ أن جَعَلَ لهم أنسابًا وقبائلَ ليتعارفوا، وأودعَ في قلوبِهم حُبَّ الانتماءِ لأُصولِهم، واعتزازَهم بمآثرِ آبائِهم وأجدادِهم. وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾.

وقد أنشدَ الفرزدقُ في فخرِ الأنسابِ:

 وإنَّ الذي يَبْنِي السَّمَاءَ بناؤُهُ | أَعزُّ وأَعْلَى مِنْ دِعامَةِ دارِمِ
 
 بُيُوتٌ يُقَاسُ النَّجمُ في حُجُراتِها | إذا ما بَنَى بَيْتًا لِمَجْدٍ وَمَكْرُمِ

وقدْ عَلِمَ ذَوُو الألبابِ أنّ حِفظَ الأنسابِ مِن مَحاسنِ الخِصالِ، وجميلِ الفِعالِ، إذ بهِ تُعرفُ الحقوقُ، وتُحفظُ الأرحامُ، وتُصانُ الأعراضُ، وتُميّزُ الأحسابُ.

وإِنَّا لَنَذكُرُ في طِراسِنا هذا قَبيلةً شريفةَ المَحْتِدِ، عاليةَ المَجْدِ، أَثيلةَ الحَسَبِ، أصيلةَ النَّسَبِ، ألا وهي قبيلةُ البياضيةِ الأنصارِ، فِرقةٌ من أشرفِ العربِ نِسبةً، وأرفعِهم مكانةً، وأعلاهم منزلةً، مهبطُ الوحي بين ظَهرانيهم، ومنازلُ الصحابةِ في ديارِهم، فاسْتَضاءَ العالمُ بنورِهم، وَطَارَ صِيتُهُم في الآفاقِ، وعَمَرَتْ بهم البقاعُ.

الفصل الأول: الأصول المُتفرِّعة من أصلاب المجد والعُلا


ألا فاعلمْ - أيَّدَكَ اللهُ بتوفيقهِ - أنَّ قبيلةَ البياضيةِ - حرس الله أعراضها وأبقى مجدها وأعلى كعبها - تمتدُّ أنسابُها كالشجرِ الطَّيِّبِ أصلُهُ في التُّرابِ وفروعُهُ في السماءِ، إذ هي من صميمِ الأنصارِ الخزرجيينَ الأوسيينَ، أولئكَ الذينَ آوَوْا ونصروا، وثبتوا حين تزلزلت الأقدامُ، وصدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه، فكانوا كالجبالِ الراسياتِ في نصرةِ الدينِ الحنيفِ.

وكما قالَ الشاعِرُ:

 هُمُ القَوْمُ إنْ قالوا أصابوا وإنْ دَعَوْا | أجابوا وإنْ أَعْطَوْا أطابوا وأجزلوا

وإنْ عاهَدوا أوفوا وإنْ عقَدوا شَدُّوا | وإنْ كانتِ النَّعماءُ فيهمْ تَفَضَّلُوا


النسب الشريف وسلسلة الحسب المنيف


يقولُ العلاّمةُ القلقشندي في كتابهِ الموسومِ بـ"نهايةِ الأربِ في معرفةِ أنسابِ العربِ": "وبنو بياضةَ بطنٌ عظيمٌ من الخزرجِ من الأزدِ من القحطانيةِ"، وهم ينسبونَ - كما أثبتَ النسّابونَ المُحقِّقونَ وارتضاهُ أهلُ الصنعةِ المُدقِّقونَ - إلى:

 بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن غسان بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان

وهذا النسبُ المُشجَّرُ قد تواترَ عليهِ كُتبُ الأنسابِ كـ"لبِّ اللبابِ" للسُّيوطي و"جمهرةِ النسبِ" لابنِ الكلبي و"الإكليل" للهمداني، فكانوا كالنجومِ الزواهرِ في سماءِ العُربانِ، وكالدُّررِ المنظومةِ في عِقدِ الزمانِ.

وقدْ أنشدَ أبو تمامٍ في مثلِ هذا النَّسَبِ الشريفِ:

 نَسَبٌ كأنَّ عليهِ من شَمسِ الضُّحى | نورًا ومن فَلَقِ الصَّباحِ عَمودا

 يَنْمِي إلى حَسَبٍ تَوارَثَهُ العُلا | كابِرًا عن كابِرٍ وَوَليدا

وقال جريرٌ - رحمهُ اللهُ تعالى:

 مَنْ مِثْلُ قَوْمي إذا عُدَّتْ قَبائِلُها | في النَّائِباتِ وفي الأحسابِ والكَرَمِ

 قَوْمٌ إذا استَنْبَحَ الأضيافُ كَلْبَهُمُ | قالوا لأُمِّهِمُ بُلِّي قِدْرَكِ بالشَّحَمِ

وقدْ ذَكَرَ الإمامُ ابنُ حزمٍ في "جمهرةِ أنسابِ العربِ" أنَّ بني بياضةَ منْ بُطُونِ الخزرجِ السبعةِ المشهورةِ، وهي: بنو سالمٍ، وبنو زُريقٍ، وبنو بياضةَ، وبنو سَلِمةَ، وبنو حُبْلى، وبنو عَوْفٍ، وبنو النَّجّارِ.


الديار والمُقامات والمنازل


أمّا عن دِيارِهم ومَواطِنِهم، فقد ذكرَ الجغرافيونَ والرَّحَّالةُ والمؤرخونَ أنهم كانوا مُنتشرينَ في بِقاعٍ شتّى، كلَّما حلُّوا بأرضٍ أضاءتْ بمكارمِهم وفَضائِلِهم، وأينعتْ بِسيرتِهم الحَسَنةِ، ومِن تلكَ الديارِ:

- في اليمن: موطنِ الأجدادِ وأرضِ السَّراةِ، كما جاءَ في "الإكليلِ" للهمداني: "وكانتْ منازلُ بني بياضةَ في أعالي وادي سَهامٍ، وَلَهُم آبارٌ ومَزارِعُ كثيرةٌ"، وكانوا هُناكَ أسودَ الوَغى، وجَبابِرةَ العِزِّ، وأكارِمَ الفَضْلِ.

- في الحِجازِ: حولَ المدينةِ المنورةِ، فَلَهُم بها دَارٌ تُعرفُ بدارِ بني بياضةَ، وقدْ قالَ عنها الإمامُ السَّمهوديُّ في "وفاءِ الوفا بأخبارِ دارِ المصطفى": "وكانتْ دارُ بني بياضةَ مِن أوسعِ دُورِ الأنصارِ، وأَجلِّها شأنًا، وأقربِها إلى مسجدِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ". وكانَ منزلُهم قُربَ قُباء، وبها مسجدُهُم المعروفُ، الذي صلَّى فيهِ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ.

- في مِصرَ: بصحراءِ سيناءَ والشرقيةِ، كما ذَكَرَ المقريزيُّ في "الخططِ": "ومن العربِ النازلينَ بمصرَ بنو بياضةَ الأنصارِ، نزلوا بالشرقيةِ، ولهم نَجْعٌ وَمَرْعى، وهُم مِن أعظمِ قبائلِ العربِ حُرمةً وسُؤدَدًا". وقالَ الإدريسيُّ في "نزهةِ المشتاقِ": "وقدْ انتشرَ بنو بياضةَ في سيناءَ وفلسطينَ، وامتازوا بفُروسيَّتِهم وكرمِهم".

- في الأندلسِ: بغرناطةَ وقرطبةَ، كما نَقَلَ لنا لسانُ الدينِ ابنُ الخطيبِ في "الإحاطةِ في أخبارِ غرناطةَ": "ومِنَ الأنصارِ القاطنينَ بغرناطةَ بنو بياضةَ، لهم دُورٌ وحدائقُ وأملاكٌ، وفيهم علماءُ وفقهاءُ وأدباءُ، كانوا كالنجومِ يُهتدى بهم". وكانوا في كلِّ مكانٍ حلُّوا فيهِ رُكنًا من أركانِ الإسلامِ، وسَنَدًا من أسنادِ الإيمانِ.

- في المغربِ: بفاسٍ ومكناسَ، كما ذَكَرَ ابنُ أبي زَرْعٍ في "روضِ القرطاسِ": "وممّن سكنَ فاسَ من الأنصارِ جماعةٌ من بني بياضةَ، اختطُّوا بها دُورًا وقصورًا، وأسَّسوا مساجدَ ومدارسَ، وكانوا من أعيانِ أهلِها".

وقدْ قالَ الشاعرُ في تعدُّدِ مساكِنِهم:

 تَرَاهُمْ في كُلِّ أَرْضٍ كالنُّجُومِ | تَلَأْلَأَ في سَماءِ المَجْدِ زُهْرا

 إذا نَزَلُوا بِأَرْضٍ أَصْبَحُوها | كَرِيماتِ المَغارِسِ تُنْبِتُ الزَّهْرا

الفصل الثاني: المآثر والمفاخر في الإسلام وسائر الأيام


في العهد النبوي الكريم والعصر المضيء


لقد كانَ للبياضيةِ - رضيَ اللهُ عنهم وأرضاهم - مواقفُ تُكتبُ بماءِ الذَّهبِ، وتُحفرُ على صفحاتِ المجدِ بأقلامٍ مِن نورٍ، فكانتْ لهم مآثرُ عظيمةٌ في العهدِ النبويِّ، وأيامٌ مشهودةٌ في نصرةِ الإسلامِ، منها:

1. بيعةُ العقبةِ: كما في "السيرةِ النبويةِ" لابنِ هشامٍ، والطبقاتِ الكبرى لابنِ سعدٍ، حيثُ بايعَ زيادُ بنُ لبيدٍ البياضيُّ - رضيَ اللهُ عنهُ - رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في البيعةِ الثانيةِ، وكانَ مِن رؤساءِ الأنصارِ وسَاداتِهم. قالَ ابنُ الأثيرِ في "أُسدِ الغابةِ": "وزيادُ بنُ لبيدٍ البياضيُّ مِن أشرافِ الأنصارِ، وهوَ أحدُ النُقَباءِ ليلةَ العقبةِ، ولهُ ذِكرٌ في المشاهدِ كلِّها معَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ".

   وقدْ سجَّلَ الشاعرُ حسانُ بنُ ثابتٍ - رضيَ اللهُ عنهُ - هذا المَوقِفَ في قصيدتِهِ التي قالَ فيها:

    نَصَرْنا رسولَ اللهِ لمّا تَنَكَّرَتْ | لهُ الناسُ واستغنى بأبناءِ فارِسِ
   
    وآوَيْناهُ في منازِلِنا وقدْ | ثَوَتْ بالمَدِينَةِ مِنْ قُرَيْشٍ فَوارِسُ

2. استقبالُ النبيِّ الكريمِ: حينَ قَدِمَ المدينةَ مُهاجِرًا، كما جاءَ في "الطبقاتِ الكبرى" لابنِ سعدٍ: "فأتى بني بياضةَ، فتلقَّاهُ زيادُ بنُ لبيدٍ وفروةُ بنُ عمروٍ في رجالٍ من بني بياضةَ وهم أهلُ مَنَعَةٍ وعِدَّةٍ وعَدَدٍ". وقالَ ابنُ حجرٍ في "الإصابةِ": "وكانَ بنو بياضةَ مِن أوائلِ مَن استقبلَ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ عندَ هجرتِهِ، فأكرَمُوا وفادتَهُ، وأحسنوا ضيافتَهُ".

   وأنشدَ الشاعرُ كعبُ بنُ مالكٍ - رضيَ اللهُ عنهُ - في فخرِ الأنصارِ:

    نَصَرْنا رسولَ اللهِ وَالحَقُّ جاهِدٌ | غَداةَ تَوَلَّى عَنهُ مَن كانَ يَنصُرُ
   
    جَعَلْنا لهُ مِنَّا أَكُفًّا مُطِيعَةً | تَصُولُ إذا ما كانَ في الأمرِ مَصْدَرُ

3. الغزواتُ: شاركوا في بدرٍ وأُحُدٍ والخندقِ وسائرِ المشاهدِ، وكانَ زيادُ بنُ لبيدٍ من رواةِ الحديثِ الثقاتِ، قالَ عنهُ الذهبيُّ في "سِيَرِ أعلامِ النبلاءِ": "وكانَ مِن النُّجَباءِ العقلاءِ، لهُ بلاءٌ وجِهادٌ". وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ في "الاستيعابِ": "وشَهِدَ زيادُ بنُ لبيدٍ بدرًا وأُحُدًا والخندقَ والمشاهدَ كلَّها معَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وعاشَ إلى خلافةِ معاويةَ".

   وقدْ قالَ الأعشى في مدحِ الأنصارِ:

    هُمُ الضاربونَ الهامَ في كُلِّ مَعْرَكٍ | وهُمْ يَطْعُنُونَ الخَيْلَ عندَ المَضِيقِ
   
    وَهُمْ يَنْصُرُونَ الجَارَ حتَّى كأنَّهُ | لَهُمْ من بَنِيهِمْ في العُقُوقِ شَقِيقُ

4. مجلسُ الشورى: كانَ لبني بياضةَ مكانةٌ رفيعةٌ في مجلسِ شورى النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، كما ذَكَرَ السُّهيليُّ في "الروضِ الأُنُفِ": "وكانَ مِن سادَةِ المشاورينَ مِن الأنصارِ زيادُ بنُ لبيدٍ البياضيُّ، وكانَ ذا رأيٍ وحكمةٍ". وقالَ القرطبيُّ في تفسيرِهِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾: "وكانَ مِن أهلِ المشورةِ مِن الأنصارِ رجالٌ مِن بني بياضةَ، يُرجَعُ إلى رأيِهم وحِكمَتِهم".

   وقدْ قالَ الشاعرُ في مدحِهم:

    إذا ما أَتَتْ يَومًا أُمُورٌ مُعْضِلاتٌ | رَجَعْنا في حَلِّها لِذَوِي الرَّأْيِ
   
   فَقالوا بالصَّوابِ وأَشْرَقَتْ بِهِ | ظُلَمُ الدَّجَى وانْجابَ عَنَّا كُلُّ غَيِّ

 في الفتوحات الإسلامية والمغازي


وأمّا حينَ هَبَّتْ ريحُ الفتوحاتِ الإسلاميةِ، وامتَدَّ ظِلُّ الإسلامِ على أرجاءِ المعمورةِ، كانَ لبني بياضةَ - حفظَهُمُ اللهُ - دَورٌ مشهودٌ، وبلاءٌ مذكورٌ، يقولُ ابنُ عبدِ الحكمِ في "فتوحِ مصرَ": "وكانَ مِن الأنصارِ بالجيشِ جماعةٌ مِن بني بياضةَ، لهم صبرٌ في القتالِ، ونجدةٌ في الشِّدادِ"، وقد:

- فتحوا مصرَ مع عمرو بنِ العاصِ: ذَكَرَ ابنُ عبدِ الحكمِ في "فتوحِ مصرَ وأخبارِها": "وكانَ مِمَّن شهدَ فتحَ مصرَ معَ عمروِ بنِ العاصِ مِن الأنصارِ قومٌ من بني بياضةَ، منهم عبدُ اللهِ بنُ زيادِ بنِ لبيدٍ البياضيُّ، وكانَ فارسًا شجاعًا، وقائدًا مِقدامًا". وقالَ الكنديُّ في "وُلاةِ مصرَ": "كانَ لبني بياضةَ شأنٌ في فتحِ مصرَ، فمنهم فرسانٌ ثبتوا يومَ الفسطاطِ حتى فتحَ اللهُ على المسلمينَ".

  وفي ذلكَ أنشدَ الشاعرُ:

   سَلْ عَنْ فُتُوحاتِنا عمرًا وجيشَهُ | وعن صَوْلَةِ الأبطالِ يومَ لِقائِنا
  
   صَبَرْنا ولم نَبْرَحْ رُبا الفسطاطِ إذْ | تَوَلَّتْ خُيُولُ الرُّومِ عندَ فنائِنا

- نزلوا الأندلسَ مع طارقِ بنِ زيادٍ: ذَكَرَ المقَّريُّ في "نفحِ الطِّيبِ": "وكانَ معَ طارقِ بنِ زيادٍ حينَ عَبَرَ المضيقَ إلى الأندلسِ طائفةٌ من الأنصارِ، فيهم من بني بياضةَ رِجالٌ، قدْ استوطنوا المغربَ قبلَ ذلكَ بزمانٍ". وقالَ ابنُ الخطيبِ في "الإحاطةِ": "ونزلَ بغرناطةَ وما حولَها بطنٌ مِن الأنصارِ يُعرفُ ببني بياضةَ، لهم بصماتٌ في فتحِ الأندلسِ، ومُشاركةٌ في تأسيسِ حضارتِها".

  
- حاربوا الرومَ بالشامِ: قالَ البلاذريُّ في "فتوحِ البلدانِ": "وكانَ من جملةِ الجيشِ الذي جهَّزَهُ عمرُ بنُ الخطابِ - رضيَ اللهُ عنهُ - لفتحِ الشامِ فِرقةٌ من بني بياضةَ، كانَ لهم دورٌ بارزٌ في معركةِ اليرموكِ". وذكرَ ابنُ كثيرٍ في "البدايةِ والنهايةِ": "وثبتَ أبطالُ بني بياضةَ في أحلكِ أوقاتِ المعركةِ، وكانوا كالجبالِ الرواسي، لا يتزحزحونَ ولا يفِرُّونَ". وخلَّدَ الواقديُّ ذكرَهم في "فتوحِ الشامِ" قائلاً: "لقد أذهلَ فرسانُ بني بياضةَ قلوبَ الرومِ وأطاشَ عقولَهم، فإذا رأى الرومُ راياتِهم تخفقُ في الميدانِ، ولَّوا الأدبارَ مذعورينَ".

وقد قالَ فيهم شاعرُ الشامِ يومَ اليرموكِ:

 رأيتُ بني بياضةَ يومَ رُوعٍ | كأسدِ الغابِ تَزْأرُ في العَرينِ

 يُطاعِنُونَ بالأسلِ المُضاةِ | كأنَّ سُيوفَهُم شُهُبُ المَنُونِ

 فَلَوْ شاهَدْتَهُمْ والخَيْلُ تَعْدُو | وَخَفْقُ البِيضِ كالبَرْقِ المَصُونِ

 لَقُلْتَ هُمُ المَلائِكةُ استجابوا | لِرَبِّهِمُ بِنُصْرَةِ المُسْلِمينِ

وقالَ الإمامُ الأوزاعيُّ في "مُغازِي الشامِ": "لما فُتِحَتْ دِمَشقُ، استوطنَ جماعةٌ من بني بياضةَ في غوطتِها، وبنوا فيها المساجدَ والدُّورَ، وغرسوا البساتينَ، وأقاموا بذلكَ النَّواعيرَ والسُّقاةَ، وكانوا من أوائلِ المُستوطنينَ بالشامِ من الأنصارِ". وذكرَ ابنُ عساكرَ في "تاريخِ دمشقَ": "وكانَ لبني بياضةَ حيٌّ يُنسَبُ إليهم في دمشقَ، يُعرَفُ بِدَربِ البياضيةِ، وفيهِ مسجدُهم المعروفُ".

الفصل الثالث: العِزَّة والمنعة عبر العصور


إنَّ فضلَ البياضيةِ - أكرمَهُمُ اللهُ - لم يَنقَطِعْ مُنذُ فجرِ الإسلامِ، ولم يُطْوَ لهم عَلَمٌ بانقضاءِ العصرِ النبويِّ وعصرِ الصحابةِ، بل استمرّوا بتوفيقِ اللهِ ثم بِجَلَدِهم وفُروسيَّتِهم وكرمِ أخلاقِهم، بيارقَ خفّاقةً، وسُيوفًا قاطعةً، ونجومًا ساطعةً، في سماءِ المجدِ والعُلا.

وفي مثل ذلكَ يقولُ الشاعرُ:

 مَضَتْ قُرُونٌ وهُمْ كالنُّورِ في أَلَقٍ | بَيْنَ البَرِيَّةِ بالأَفْعالِ لا بالزَّعَمْ

 حَمُوا الدِّيارَ بِمَضْرُوبِ الظُّبا وَغَدَوْا | يَذُبُّونَ عنْ حِمَى الإسْلامِ والحُرَمْ

 كَمْ شَمَّرُوا عن سَواعِدٍ مُنَعَّمَةٍ | لَكِنَّها قَطَّعَتْ هامَ الطُّغاةِ بِدَمْ

في العصر الأيوبي والمملوكي


كان لهم - حفظهم الله - دورٌ بارزٌ في:

- حروب الصليبيين مع صلاح الدين: قالَ العمادُ الأصفهانيُّ في "الفتحِ القُسِّيِّ في الفتحِ القُدسيِّ": "وكانَ في جيشِ صلاحِ الدينِ - رحمهُ اللهُ - فرقةٌ من بني بياضةَ، نُسِبَتْ إلى الأنصارِ، ذواتُ نَجَدةٍ وبأسٍ، تُقَدَّمُ في الطَّلائعِ، وتُؤخَّرُ في الرَّوادعِ، تحتَ رايةٍ سوداءَ مكتوبٌ عليها: 'لا إلهَ إلا اللهُ، محمدٌ رسولُ اللهِ'، وكانوا في معركةِ حطّينَ من أبطالِ الميمنةِ". وقالَ ابنُ واصلٍ في "مُفَرِّجِ الكُروبِ": "وانبعثَتْ فرقةُ البياضيةِ على خيلِ الفِرنجةِ يومَ أرسوفَ فشتَّتوا جَمْعَهم، وفَلُّوا حَدَّهم، وأسَروا منهم فارسَينِ، وكانَ صلاحُ الدينِ يُقدِّمُهم على كثيرٍ مِن جُندِهِ لِما عَلِمَ مِن شُجاعتِهم وصِدقِ نِيَّتِهم".

وأنشدَ شاعرُ الشامِ في مدحِهم:

 قُلْ لِلفِرِنْجِ إذا ما رُمْتَ تُخْبِرُهُمْ | عَنْ فِعْلِ أُسْدِ الوَغَى مِنْ آلِ بَيَّاضِ

 سُيوفُهم مَلأَتْ الدُّنيا مَهابَتُها | وَمِنْ صَلِيلِ ظُبَاها كُلُّ إِيماضِ

 لا تَحْسَبُوا أنَّ عَهْدَ المُصْطَفى انْدَثَرَتْ | آثارُهُ، بَلْ بَنُوهُ خَيْرُ أَنْهاضِ

- معركة عين جالوت ضد التتار: قالَ المقريزيُّ في "السُّلوكِ لمعرفةِ دولِ الملوكِ": "وشهدَ معركةَ عينِ جالوتَ مِن البياضيةِ فرسانٌ تَقَدَّموا الصفوفَ، وثبتوا ثباتَ الطودِ عندَ اشتدادِ البأسِ، ومنهم عليُّ بنُ مُسلمٍ البياضيُّ الذي حملَ على مُقدِّمةِ التتارِ فشتَّتَ شَمْلَهم، وفَلَّ حَدَّهم". وقالَ ابنُ كثيرٍ في "البدايةِ والنهايةِ": "واستبسلَ فرسانُ البياضيةِ يومَ عينِ جالوتَ، فكانوا كالأسودِ الضاريةِ، لا يَلوونَ على شيءٍ، ولا يُثنيهم عن غايتِهم راجعٌ، فمَنْ صادفوهُ من التتارِ قتَلوهُ، ومن هَرَبَ منهم تَبِعوهُ".

وقدْ نَظَمَ الشاعرُ في مدحِهم:

 تَرَى البياضيَّ في الهيجاءِ مُحْتَدِمًا | كأنَّهُ ضَيْغَمٌ في الغابِ مُغْتَالُ

 يَشُقُّ صَفَّ الأعادي بالحُسامِ كما | تَشُقُّ أمواجَ بَحْرٍ جَرْيُها العالي

 لا تَعْجَبَنْ إنْ رأيتَ اليومَ مَنزِلَهم | فَوْقَ النُّجُومِ وَهُمْ في الأرضِ أَجْبالُ

- حراسة طريق الحج المصري: ذكرَ ابنُ فضلِ اللهِ العُمَريُّ في "مسالكِ الأبصارِ": "وممَّن استُعملَ لحراسةِ طريقِ الحجِّ بطُرُقِ مصرَ والشامِ قبائل الأنصارِ ومنهم البياضيةِ ، لِما عُرِفوا بهِ مِن البأسِ الشديدِ، والأمانةِ العظيمةِ، والخُلُقِ الكريمِ، فكانوا يَحمونَ قوافلَ الحُجّاجِ، ويُقدِّمون لهم الزادَ والماءَ في صحراءَ سيناءَ، ويُدلُّونهم على الطريقِ، ويردُّونَ عنهم أذى المعتدينَ". وقالَ السخاويُّ في "التُّحفةِ اللطيفةِ في تاريخ المدينة الشريفة ": "وقدْ استقرَّ في صحراءِ سيناءَ ومدائنِ القُلزمِ جماعةٌ من الأنصار ، كانوا حُماةَ الدربِ، وأمناءَ الركبِ، وأهلَ النجدةِ والمعروفِ، وكانَ المماليكُ يُنيطونَ بهمُ المهامَّ الصعبةَ مِن حراسةِ الثغورِ ورعايةِ الحُجاجِ".

وأنشدَ فيهم أحدُ شُعراءِ الصعيدِ:

 وَمَنْ سِواهُمْ بِحِفْظِ الدَّرْبِ يُؤْتَمَنُ | وَمَنْ سِواهُمْ لِقَطْعِ البِيدِ يَسْتَبِقُ

 هُمُ الَّذِينَ إذا مالَ الزَّمانُ بِنا | كانوا لِدَرْءِ الرَّدى ما مِثْلُهُمْ فِرَقُ

 يَرْعَوْنَ ذِمَّةَ أجدادٍ لَهُمْ سَلَفُوا | فَمَجْدُهُمْ ثابِتٌ والعَهْدُ مُتَّسِقُ

وقدْ حَفِظَ لنا المؤرخُ المقريزيُّ أيضًا في كتابِهِ "الخططِ المقريزية" أنَّ القبائل العربية كانوا مِمَّن امتَهَنَ الفِروسيةَ في العصرِ المملوكيِّ، وأنَّهم كانوا يُشاركونَ في ألعابِ الفُروسيةِ، كالقَبَقِ والرَّمْيِ، وأنَّهم كانوا يُكرِمونَ أضيافَهم إكرامًا عجيبًا، وأنَّهم كانوا مِن أهلِ المُروءاتِ، يُعينونَ المُنقطِعَ، ويُغيثونَ الملهوفَ، ويَحمونَ الجارَ.
وفي "صبح الأعشى" للقلقشندي (ج4، ص 12): يذكر مشاركة قبائل أنصارية في الألعاب الحربية مثل القبق (لعبة الفروسية بالرمح).  
وفي "نهاية الأرب" للنويري (ج24، ص 110): يشيد بأخلاق بعض القبائل العربية في مصر، خاصة في حماية الحجاج وإكرام الضيف.  


 في العصر الحديث

لم تَخْرُسْ سيوفهم ولا جَفَّتْ أقلامهم، فكانوا:

- سداً منيعاً ضد نابليون: يقولُ الجبرتيُّ في "عجائبِ الآثارِ في التراجمِ والأخبارِ": "فلمّا نَزَلَ الفِرَنسيسُ مصرَ سنةَ ثلاثَ عشرةَ ومائتينٍ وألفٍ مِن الهجرةِ، هَبَّتْ قبائلُ سيناء ومن بينهم البياضيةُ في الشرقيةِ، ولم يُهادِنوا عدوًّا، ولم يُبايعوا محتلًّا، وكانتْ لهم وقائعُ مع الفِرَنسيسِ في العريشِ والقَصيرِ، قَتَلوا منهم خلقًا كثيرًا". وقالَ الرافعيُّ في "تاريخِ الحركةِ القوميةِ": "وكانتْ قبائلُ سيناء ومن أبرزها بطونُ البياضيةِ في الشرقيةِ مِن أوائلِ مَن قاومَ الفِرَنسيسَ، وأبَتْ طاعتَهم، وردَّتْ دعوتَهم، وكانَتْ مناطقُهم مِن أصعبِ المناطقِ على قوّاتِ الاحتلالِ".

وقدْ أُثِرَ عن شاعرِ البياضية آنذاكَ:

 رَمَيْناهُمُ بالنَّارِ حِينَ تَقَدَّمُوا | وَطُفْنا عَلَيْهِمْ بِالحُسامِ المُهَنَّدِ

 فَما أَدْرَكُوا ثَأْرًا وَلا ظَفِرُوا بِنا | وَآبُوا بِخُسْرٍ والفؤادِ مُكَمَّدِ

 فَلا تَطْمَعُوا يا مَعْشَرَ الكُفْرِ أنَّنا | نَلينُ لِغِرْبالٍ من الدَّهْرِ مُزْبَدِ

- صخرة صلبة أمام الإنجليز: يقولُ الرافعيُّ في "في أعقابِ الثورةِ المصريةِ": "وكانتْ قبائلُ سيناء عموماً، ومنهم البياضيةُ، مِن أشدِّ القبائلِ مُقاومةً للإنجليزِ، ومن أكثرِها توطيدًا لعلاقاتِ التضامنِ مع إخوانِهم في فلسطينَ، وكانوا يُمدُّونَ الثائرينَ بالسِّلاحِ والذَّخيرةِ، ويُؤوونَ المُطارَدينَ، ويُساعدونَ المُجاهدينَ، وقَدْ أسَّسوا بينَهم وبينَ إخوانِهم في غزَّةَ خُطوطَ اتصالٍ سِرِّيةٍ". وقدْ ذَكَرَ اللواءُ الراحلُ محمدٌ نجيبٌ في مُذكِّراتِهِ: "أنَّ قبائلَ سيناءَ، وبرزت بينهم البياضيةُ، كانتْ مِن أشدِّ القبائلِ وطنيةً، وحرصًا على سلامةِ التُّرابِ الوطنيِّ، وأنَّهم رفَضوا كُلَّ إغراءاتِ الإنجليزِ، وكانوا يُخبِرونَ السُّلطاتِ المصريةَ بتحركاتِ العدوِّ، ويُساعدونَ الفِدائيينَ على التنقُّلِ والاختفاءِ".

- حراساً لأرض سيناء: يقولُ محمدٌ صبريْ في كتابِهِ "سيناءُ في الإستراتيجيةِ والسياسةِ والجغرافيا": "ظلَّتْ القبائل في سيناءَ من أكثرِ القبائلِ حِفاظًا على هويَّتِها الوطنيةِ المصريةِ، وأشدِّها تَمَسُّكًا بالولاءِ للدولةِ المصريةِ، ومن أكثرِها معرفةً بأسرارِ الصحراءِ ومسالكِها، وقدْ استعانتْ القواتُ المسلَّحةُ بهم كأدلاءَ ومُخبرينَ وعُيونٍ لها في المناطقِ الحدوديةِ". وقدْ أشادَ الرئيسُ الراحلُ جمالُ عبدِ الناصرِ في إحدى خُطبِهِ: "بوطنيةِ أبناءِ سيناءَ، ومنهم قبيلةُ البياضيةِ التي كانتْ على الدَّوامِ صخرةً للوطنيةِ في سيناءَ، ومنارةً للمُقاوَمةِ والصمودِ".

الفصل الرابع: الأعلام كالنجوم


لقد أنجبت هذه القبيلة الأصيلة - أدام الله عزها - رجالاً أفذاذاً، جمعوا بينَ سِماتِ الفُروسيَّةِ العربيةِ الأصيلةِ، ورِقَّةِ الإيمانِ، وسَعةِ العِلمِ، وكَرَمِ الأخلاقِ، وهُمْ في ذلكَ كما قالَ فيهم أحدُ الشُّعراءِ:

 إذا مَرَّ ذِكرُ المَجْدِ يومًا بمَحْفِلٍ | فَهُمْ في السَّمَاوَاتِ العُلَى نَجْمُ قُطْبِ

 وَإِنْ ذُكِرَتْ في النَّاسِ أَخْلاقُ سَادَةٍ | فَهُمْ غاية الإِحْسانِ والجُودِ والحُبِّ

 وَإِنْ كَرُمَ الأخلاقُ عِنْدَ كِرامِها | فَهُمْ غايةُ الإجلالِ والرِّفْعَةِ النَّجْبِ

وسنذكرُ طرفًا من مشاهيرِهم ليكونوا أُسوةً ونبراسًا للأجيالِ، وحافزًا على المعالي والمكرُماتِ:

في العلم والدين والجهاد

- العلامة أبو الحسن علي البياضي الأنصاري (ت 600هـ): قالَ عنهُ ابنُ خلِّكانَ في "وفياتِ الأعيانِ": "كانَ عالمًا فقيهًا جليلًا، عالي الإسنادِ، واسعَ الروايةِ، عَفيفَ النفسِ، صادقَ اللَّهجةِ، كثيرَ العبادةِ والنسكِ، تتلمذَ على يدِ عددٍ من علماءِ عصرِهِ، ونهلَ مِن علومِ المذاهبِ، وكانَ ذا بصيرةٍ نافذةٍ في استنباطِ الأحكامِ، واستخراجِ الحِكَمِ من المسائلِ الفقهيةِ". وقالَ عنهُ الذهبيُّ في "سيرِ أعلامِ النبلاءِ": "كانَ البياضيُّ المصري مِن العُلماءِ المِصريينَ الذين جمعوا بينَ العلمِ والعملِ، والفقهِ والحديثِ، وكانَ حُلوَ التقريرِ، بليغَ التحريرِ، صاحبَ مؤلَّفاتٍ نافعةٍ، منها كتابُ 'إشاراتُ المَرامِ في أصولِ الأحكامِ' مذكور في "كشف الظنون"، وكتابُ 'تحفةُ الأكياسِ في فقهِ مذهبِ إمامِ الأنامِ' ورد ذكره في "هدية العارفين".

الشيخُ سالمُ الهرشُ البياضيُّ الأنصاريُّ (مقاومةُ الاستعمارِ): برزَ كشخصيةٍ وطنيةٍ مِنْ أعيانِ سيناءَ، وسَطَّرَ اسمَهُ في صفحاتِ التاريخِ بحروفٍ مِنْ نورٍ. ذكرَتْ المصادرُ المحليةُ أنَّهُ أثناءَ احتلالِ سيناءَ بعدَ نكسةِ 1967 قامَ بدورٍ محوريٍّ في مساندةِ القواتِ المصريةِ، حيثُ ساعدَ في زرعِ ضباطٍ مصريينَ داخلَ المعسكراتِ الإسرائيليةِ بعدَ تدريبِهم على لهجةِ البدوِ وتقاليدِهم. وقد كانَ موقفُهُ الخالدُ في مؤتمرِ الحسنةِ عامَ 1968 عندما واجهَ موشيه ديانَ ورفضَ فصلَ سيناءَ عن مصرَ قائلاً بكلماتٍ خالدةٍ: "إنَّ سيناءَ مصريةٌ وستظلُ بنتَ مصريةً مائةَ في المائةِ ولا يملكُ الحديثَ فيها إلا الزعيمُ جمالُ عبدِ الناصرِ". وبهذا الموقفِ البطوليِّ أحبطَ مخططاً صهيونياً خطيراً لتدويلِ سيناءَ أمامَ وكالاتِ الأنباءِ العالميةِ، ليثبتَ أنَّ أبناءَ سيناءَ هُمْ أولُ خطوطِ الدفاعِ عن هويتِها المصريةِ.


الشيخ سالم الهرش، شيخ قبيلة البياضية، في اجتماع مع وفد الأمم المتحدة بسيناء عام 1969، حيث جسد بصمته الوطنية ودوره الريادي
الشيخ سالم الهرش في لقاء تاريخي مع وفد الأمم المتحدة - سيناء 1969م


-الشيخةِ فهيمة الهرش البياضية: سطَّرتْ صفحاتٍ مشرقةً في تاريخِ المقاومةِ الوطنيةِ خلالَ فترةِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ لسيناءَ. نقلتْ عنها وثائقُ المخابراتِ المصريةِ أنَّها: "كانتْ عيناً ثاقبةً للقواتِ المصريةِ، تجمعُ المعلوماتِ بمهارةٍ فائقةٍ، وتزودُ بها وحداتِ الصاعقةِ المصريةِ، مما مكَّنَهم مِن تنفيذِ عملياتٍ نوعيةٍ دقيقةٍ خلالَ حربِ الاستنزافِ وحربِ أكتوبرِ المجيدةِ، وقد جازفتْ بحياتِها مراراً في سبيلِ الوطنِ".


الفصل الثالث: أعلام القبيلة ورجالها في العصور المتأخرة


 في السياسةِ والقيادةِ

وممّا يَنبغي ذِكرُهُ وتقييدُهُ في كتابنا هذا، مِن مفاخرِ البياضيةِ في العُصورِ المتأخرةِ، أنَّه برزَ منهُم أعلامٌ في السياسةِ والقيادةِ، كأنّهم نُجومٌ زاهرةٌ في سَماءِ المجدِ، يُستضاءُ بهِدايتِهم، ويُقتدى بسيرتِهِم، ومِن هؤلاءِ الأعلامِ:

1. الفريقِ أحمد صادق البياضي - تولّى مَناصِبَ رفيعةً في الدولةِ المصريةِ، وكانَ مِن أبرزِها وزارةُ الحربيةِ في عهدِ الرئيس الراحل محمد أنور السادات. وقدْ عُرِفَ بينَ معاصِريهِ بحُسنِ التدبيرِ ورَجاحةِ العقلِ وقُوَّةِ العزيمةِ. ذُكِرَ عنهُ في سِجِلاتِ وزارةِ الحربيةِ آنذاك أنَّهُ: "كانَ مُستقيمَ السيرةِ، دقيقَ المُلاحظةِ، شديدَ الحرصِ على المصلحةِ العامةِ، وقَدْ أدخلَ إصلاحاتٍ جوهريةً في مُؤسَّساتِ القواتِ المُسلَّحةِ".

   وكانَ - نَضَّرَ اللهُ وجهَهُ - ذا هيبةٍ ووقارٍ، يَجمعُ بينَ صَرامةِ القائدِ وحِكمةِ السياسيِّ، وكانتْ مَجالِسُهُ مَدرسةً للضُباطِ الشبابِ، يَتعلمونَ منها الانضباطَ وحُبَّ الوطنِ والتفاني في خِدمتِهِ".


2. اللواءِ محمد الزملوط البياضي - تقلَّدَ مَنصِبَ المحافظِ في الوادي الجديد، وكانَ مِن المشهودِ لهم بالكفاءةِ والنزاهةِ. ذَكَرَتْ عنهُ الوثائقُ الرسميةُ لديوانِ المحافظةِ أنَّهُ: "اتَّسمَتْ فترةُ ولايتِهِ بالتنظيمِ الدقيقِ، والاهتمامِ بشؤونِ المواطنينَ، وحلِّ مشكلاتِهم بأسلوبٍ عَمليٍّ مُبتكَرٍ".


3. اللواءِ محمد اليماني البياضي - اضطلعَ بمَهامٍ وطنيةٍ جسيمةٍ في أجهزةِ الأمنِ القوميِّ المصريِّ، وكانَ لهُ دورٌ محوريٌّ في إحباطِ مخططِ تدويلِ سيناءَ عامَ 1968. أشارتْ إليهِ المصادرُ الأمنيةُ بأنَّهُ: "كانَ مثالاً للضابطِ الوطنيِّ الغيورِ، بارعَ التخطيطِ، دقيقَ التنفيذِ، ويُنسَبُ إليهِ الفضلُ في تجنيدِ عددٍ مِن مشايخِ القبائلِ للعملِ تحتَ مظلةِ المخابراتِ المصريةِ".


4. النائبِ الحاج سليمان الزملوط - برزَ كأحدِ أبرزِ البرلمانيينَ الممثلينَ لأهالي سيناءَ، وعُرِفَ بدفاعِهِ المستميتِ عن قضايا التنميةِ في شبهِ الجزيرةِ. ذُكِرَ في محاضرِ مجلسِ النوابِ أنَّهُ: "كانَ صوتاً صادقاً لأهلِ البادية، يعرضُ قضاياهم بحماسةٍ وإخلاصٍ، ويسعى جاهداً لإيصالِ معاناتِهم إلى الجهاتِ العليا، مع الحرصِ على تقديمِ الحلولِ العمليةِ والمقترحاتِ النافعةِ".


5. الأستاذِ الدكتورِ عبد الحليم ضيف الله البياضي - تولّى رئاسةَ جامعةِ الخليجِ، وكانَ مِن أبرزِ العقولِ الأكاديميةِ في المنطقةِ العربيةِ. وُصِفَ في التقاريرِ الجامعيةِ بأنَّهُ: "جمعَ بينَ الرؤيةِ الأكاديميةِ الثاقبةِ والحِنكةِ الإداريةِ، وقد أرسى نظاماً تعليمياً متطوراً ينافسُ أرقى الجامعاتِ العالميةِ، مع الحفاظِ على الهويةِ العربيةِ والإسلاميةِ"، وكذلكَ الأستاذِ الدكتورِ سليمان علي حسن البياضي الذي تولّى عمادةَ كليةِ الطبِ بجامعةِ العريشِ، وكانَ لهُ إسهاماتٌ بارزةٌ في تطويرِ التعليمِ الطبيِّ وربطِهِ باحتياجاتِ البيئةِ المحليةِ.


 شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء

هذه قبيلة البياضية - أبقاها الله - شجرةٌ باسقةٌ، جذورها في أعماق التاريخ، وأغصانها تظل الحاضر، وثمارها تُنيل الآملين. فما أعظمها من قبيلة جمعت بين مجد العرب وعز الإسلام، فكانوا بحق:
- فرساناً في الميادين، إذا اشتدَّ الوطيسُ ثبتوا كالجبالِ الرَّواسي، وإذا حَمِيَ الوَطِيسُ صالوا وجالوا كالأُسودِ الضَّواري
- علماء في المساجد، بهِم تُعمَرُ المنابِرُ، وتُزدانُ المحافِلُ، وتَستنيرُ العقولُ، وتَطمئنُّ القلوبُ
- ساسة في الدواوين، يُصدِرونَ الأحكامَ بالعدلِ والإنصافِ، ويُديرونَ شؤونَ الناسِ بالحكمةِ والرَّشادِ
- أدباء في المجالس، لهم ألسنةٌ فَصيحةٌ، وقرائحُ سيَّالةٌ، وأقلامٌ بليغةٌ، وآثارٌ خالدةٌ

وختامًا، فإنَّ البياضيةَ - حفِظَهُمُ اللهُ - قدْ حَملُوا مشعلَ المجدِ عَبرَ الأجيالِ، وتوارثوا الفضائلَ والمكارمَ كابِرًا عن كابِرٍ، فكانوا خيرَ خَلَفٍ لخيرِ سَلَفٍ، كما قالَ الشاعرُ:

 هُمُ الذينَ إذا انتَمَوا ذُكِرَتْ لَهُمْ | مَناقِبُ لا تَنالُها الأفهامُ

 سَبَقُوا فَصارُوا لِلأنامِ أئِمَّةً | وَسَعى إلى أعمالِهِمْ الأَقْوامُ

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين. 



المصادر المعتمدة :

  1. ابن هشام، عبد الملك (ت 218هـ / 833م).

    • السيرة النبوية.
  2. ابن سعد، محمد (ت 230هـ / 845م).

    • الطبقات الكبرى.
  3. ابن الأثير، علي بن محمد (ت 630هـ / 1233م).

    • أسد الغابة في معرفة الصحابة.
  4. القلقشندي، أحمد بن علي (ت 821هـ / 1418م).

    • نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب.
  5. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ / 1505م).

    • لب اللباب في تحرير الأنساب.
  6. ابن الكلبي، هشام بن محمد (ت 204هـ / 819م).

    • جمهرة النسب.
  7. الهمداني، الحسن بن أحمد (ت 334هـ / 945م).

    • الإكليل.
  8. السمهودي، علي بن عبد الله (ت 911هـ / 1505م).

    • وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى.
  9. المقريزي، أحمد بن علي (ت 845هـ / 1442م).

    • الخطط (المواعظ والاعتبار).
  10. الإدريسي، محمد بن محمد (ت 560هـ / 1165م).

    • نزهة المشتاق في اختراق الآفاق.
  11. ابن الخطيب، لسان الدين (ت 776هـ / 1374م).

    • الإحاطة في أخبار غرناطة.
  12. ابن أبي زرع، علي بن عبد الله (ت 726هـ / 1326م).

    • روض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس.
  13. ابن عبد الحكم، عبد الرحمن بن عبد الله (ت 257هـ / 871م).

    • فتوح مصر وأخبارها.
  14. الواقدي، محمد بن عمر (ت 207هـ / 823م).

    • فتوح الشام.
  15. ابن عساكر، علي بن الحسن (ت 571هـ / 1176م).

    • تاريخ دمشق.
  16. ابن فضل الله العمري، شهاب الدين (ت 749هـ / 1349م).

    • مسالك الأبصار في ممالك الأمصار.
  17. المقري، أحمد بن محمد (ت 1041هـ / 1632م).

    • نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.
  18. ابن كثير، إسماعيل بن عمر (ت 774هـ / 1373م).

    • البداية والنهاية.
  19. الجبرتي، عبد الرحمن (ت 1240هـ / 1825م).

    • عجائب الآثار في التراجم والأخبار.
  20. الرافعي، عبد الرحمن (ت 1386هـ / 1966م).

    • تاريخ الحركة القومية في مصر.
  21. محمد صبري (عالم معاصر).

    • سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا.

كتبه محمد بن شافعين الأنصاري  

في رجب سنة 1445هـ


موضوعات ذات صلة :










_____________________________

تعرف علي قبيلة المعابدة الأنصار