الأندلسيون في مصر: تاريخ مخفي وهوية ضائعة
في طيات التاريخ المصري تكمن قصة شعب عريق حاول الاندماج في النسيج الاجتماعي المصري، محاولاً نسيان ماضيه المؤلم وبداية حياة جديدة. إنهم الأندلسيون، أولئك المهاجرون الذين قدموا من الفردوس المفقود في الأندلس إلى أرض الكنانة بحثاً عن ملاذ آمن بعد سقوط غرناطة عام 1492م، ثم موجات الطرد الكبرى للموريسكيين في بداية القرن السابع عشر الميلادي.
لكن رحلة البحث عن هؤلاء الأندلسيين في مصر تشبه البحث عن إبرة في كومة قش. فقد سعى الكثيرون منهم إلى طمس هويتهم الأندلسية الأصلية وإخفائها عن أعين المجتمع، ليس فقط لأسباب اجتماعية، بل لأسباب نفسية وأمنية أيضاً. كانت مأساتهم الحقيقية أنهم "كانوا يحملون ماضيهم معهم أينما حلوا، فهم في أسبانيا وفرنسا مسلمون وفي شمال إفريقيا مسيحيون"، مما جعلهم يعيشون في حالة من التمزق الهوياتي الدائم.
مصر قبلة الأندلسيين ومرفأ خلاصهم بعد المآسي
رغم أن الكثير من المراجع والمؤرخين ركزوا على استقرار المورسكيين في بلدان المغرب العربي مثل الجزائر وتونس وليبيا، إلا أن مصر كانت منذ البداية الوجهة الأهم والأكثر ملاءمة لهؤلاء اللاجئين الهاربين من محاكم التفتيش والمذابح الجماعية التي اجتاحت الأندلس عقب سقوط غرناطة. ففي مصر، حيث تجري الحياة في أحضان نهر النيل وتفيض الأرض بالخيرات، وجد الأندلسيون بيئة شبيهة ببلادهم من حيث وفرة المياه والطبيعة الخلابة والتنوع الزراعي، مما ساعدهم على الاندماج والاستقرار دون أن يفقدوا ملامح هويتهم.
يقول الدكتور علي المنتصر الكتاني في كتابه انبِعاث الإسلام في الأندلس: "انتقل إلى مصر جمٌّ غفير من الأندلسيين عبر العصور"، مشيرًا إلى أن المقري ترجم في نفح الطيب لحوالي ٣٧ عالمًا وفقيهًا وأديبًا ممن استقروا بمصر، وهو ما يدل على عمق الحضور الأندلسي وتأثيره الفكري والعلمي هناك.
أما الدكتور حسام محمد عبد المعطي، فيوضح في كتابه العائلة والثروة أن كثيرًا من المورسكيين الذين لجأوا في بادئ الأمر إلى الجزائر وتونس تعرضوا للطرد والملاحقة بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التي أعقبت هجرتهم، ما دفع أعدادًا كبيرة منهم إلى التوجه شرقًا نحو مصر. ففي الجزائر، على سبيل المثال، أدى الجفاف الذي أصاب العاصمة عام ١٦١١م إلى تحميل المورسكيين المسؤولية، فصدر أمر بطردهم خلال ثلاثة أيام نُفِّذ بوحشية شديدة. وفي ليبيا، ورغم أن المورسكيين أسهموا في إعمار مدينة درنة، فإنهم تعرضوا للاضطهاد والطرد مجددًا من قبل أمير طرابلس عام ١٦٣٠م، ففروا شرقًا حتى استقروا على ضفاف النيل، حيث وجدوا الأمان والاستقرار الذي افتقدوه في مواطنهم الجديدة بالمغرب العربي.
وهكذا كانت مصر — بطبيعتها النيلية الخضراء، وعمقها الحضاري، وتنوعها السكاني — الحضن الدافئ الذي احتضن الأندلسيين، وفتح لهم أبوابه ليستأنفوا حياتهم ويعيدوا بناء وجودهم الحضاري والثقافي من جديد.
أسباب إخفاء الهوية الأندلسية في مصر
شكّلت هجرة الأندلسيين إلى مصر بعد سقوط الأندلس ظاهرة اجتماعية وتاريخية مهمة، لكنها اتسمت بمحاولات متعمدة من قبل المهاجرين لإخفاء هويتهم الأصلية والاندماج في المجتمع المصري دون لفت الانتباه إلى أصولهم. وقد تعددت الأسباب التي دفعت هؤلاء المهاجرين إلى طمس هويتهم الأندلسية، بدءًا من الرغبة في تجنب الوصم الاجتماعي والتمييز، مرورًا بحمل العبء التاريخي لسقوط الأندلس، وانتهاءً بتأثير مسارات الهجرة غير المباشرة وتحديات الاندماج في المجتمع الجديد. وتبرز من بين هذه الأسباب المتعددة مشكلة أساسية واجهت المهاجرين الأندلسيين في مصر:
النظرة الاجتماعية المتدنية
كان من أبرز أسباب إخفاء الأندلسيين لهويتهم في مصر هو الخوف من النظرة المتدنية التي قد يواجهونها من المجتمع. فالموريسكيون، وهم المسلمون الذين أُجبروا على التنصر في إسبانيا قبل طردهم، كانوا ينظر إليهم بعين الريبة والشك، بل اعتبرهم البعض من العامة نوعاً من "الكفرة" أو "المتنصرين"، رغم تمسكهم بإسلامهم سراً.
[اقرأ أيضًا: الصحوة الإسلامية في الأندلس اليوم (جذورها ومسارها )]
يقول أحد المصادر: "وأمام هذا الوضع حاول العديد منهم الفرار إلى الشرق وترك هذا الماضي العنيد وفي الشرق حرصوا على أن يلقبوا باللقب المغربي فقط دون تحديد موطنهم الأصلي، بل منهم من حاول نسيان حتى هذا اللقب."
الحمل التاريخي الثقيل
كان أصحاب نسب "الأنصاري" الذين ينتمون إلى بني نصر، آخر ملوك الأندلس، يعانون من ثقل إضافي. فقد حمّلهم التاريخ ظلماً مسؤولية سقوط الأندلس، متغافلاً عن أنهم حافظوا على آخر ممالك الأندلس قوية عظيمة الحضارة والبنيان لأكثر من 250 عاماً في وجه جيوش قشتالة وليون والبشكنش، في وقت كانت فيه ممالك الأندلس الأخرى تتساقط واحدة تلو الأخرى في عصر ملوك الطوائف.
الهجرة غير المباشرة
من العوامل المهمة التي جعلت تتبع الأصول الأندلسية أمراً صعباً، أن عدداً كبيراً من العائلات الأندلسية هاجرت أولاً إلى بلدان المغرب العربي قبل أن تنتقل إلى مصر. وبالتالي، أصبحت تُعرف في الوثائق بالمدن المغربية التي قدمت منها إلى مصر، مثل عائلة البرجي التي جاءت من جزيرة جربة فكانت الوثائق تلقب أفرادها بـ"المغربي الجربي"، وعائلة العتابي التي جاءت من فاس.
الهجرة الفردية
جاءت الهجرة الأندلسية في كثير من الأحيان فردية، بمعنى أن عدداً كبيراً من الأندلسيين هاجروا إلى مصر بمفردهم دون عائلاتهم نتيجة للظروف الصعبة التي دفعتهم للهجرة. هذا الأمر جعل التعرف على العائلات الأندلسية بشكل متكامل أمراً في غاية الصعوبة.
فقدان اللقب بمرور الوقت
كان عدد ليس بالقليل من المغاربة، سواء الأندلسيين أو غيرهم، لا سيما أولئك الذين هاجروا في أعقاب سقوط غرناطة سنة 1492م، قد فقدوا بمرور الوقت لقبهم المغربي أو الأندلسي وأصبحوا جزءاً من النسيج المصري، مثل عائلة الرويعي. وظل احتجاب الوثائق لذكر مثل هذا اللقب عائقاً كبيراً أمام تحديد الهوية الجغرافية لهذه العائلات.
مراكز استقرار الأندلسيين في مصر
بعد الهجرات المتتالية التي تعرض لها الأندلسيون إثر سقوط ممالكهم في شبه الجزيرة الإيبيرية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، توجه العديد منهم نحو مصر بحثاً عن الاستقرار والأمان. وقد توزع المهاجرون الأندلسيون على مناطق متعددة في أرجاء البلاد المصرية، مشكلين تجمعات سكانية متميزة حملت معها تراثها الثقافي والحضاري. اختلفت أنماط الاستيطان الأندلسي في مصر بين المدن الكبرى والمناطق الريفية وصولاً إلى صعيد مصر، حيث تركوا بصمات واضحة على النسيج الاجتماعي والعمراني للمناطق التي استقروا فيها، وفيما يلي تفصيل لأهم هذه المراكز:
القاهرة والإسكندرية كمراكز رئيسية
كان الوجود الأندلسي مهماً بالفعل في القاهرة، خاصة في مناطق باب الشعرية التي كانت امتداداً طبيعياً توسعياً للعاصمة، وفي مناطق بين القصرين والسبع قاعات، حيث كانتا منطقتين لإنتاج السكر الذي كان للأندلسيين فيه باع طويل. ولا يزال حي باب الشعرية يحتفظ بحارة مهمة تُسمى حارة المغاربة.
أما في الإسكندرية، فقد استقر المورسكيون في شمال المدينة القديمة وعمروا جزءاً رئيسياً من المنطقة التي كانت تطلق عليها الوثائق "الجزيرة الخضراء" ويطلق عليها المؤرخون "المدينة التركية". وفي سنة 1033هـ/1623م، اشتكى أهالي الثغر السكندري إلى الديوان في القاهرة بأن المغاربة القادمين من المغرب بنوا بيوتهم بجزيرة الثغر حتى تعدوا على مقابرهم، ورغم ذلك فقد جاءت أوامر الباشا بعدم التعرض للمغاربة وعدم منعهم من البناء. وكانت حارة البلقطرية واحدة من تسع حارات تتكون منها الإسكندرية آنذاك.
مناطق الدلتا والريف
كانت المنطقة الشمالية من الدلتا الواقعة في شمال إقليم الغربية (محافظة كفر الشيخ الحالية) هي أكثر المناطق التي تركز فيها المورسكيون، حيث كانت هذه المنطقة منخفضة الكثافة السكانية أو معدومة، فأنشأ المورسكيون عدداً كبيراً من القرى في هذه المنطقة، وأطلقوا عليها أسماء أقرب إلى أسماء مدنهم بالأندلس.
من هذه القرى: الحمراء (سد خميس - مركز سيدي سالم حالياً)، الحمراوي، أبو غنيمة (مركز سيدي سالم)، إسحاقة (مركز سيدي سالم)، اريـمون (تقع ضمن قرى مركز سيدي سالم)، الناصرية (مركز بيلا)، محلة موسى (مركز كفر الشيخ)، قطور (مركز بالغربية)، سيدي غازي (محافظة كفر الشيخ)، المنيل (كفر الشيخ)، محلة دياي (مركز دسوق)، وكفر مجر (مركز دسوق).
كما شهدت مدينة طنطا هجرة واسعة من جانب المورسكيين بوصفها معقلاً لأحد أهم المشايخ المغاربة وهو السيد البدوي.
الصعيد وميراث الأندلس
الدور الاقتصادي والثقافي للأندلسيين في مصر
لم يكتفِ الأندلسيون المهاجرون إلى مصر بالاستقرار والاندماج في المجتمع المصري فحسب، بل شكلوا قوة فاعلة ومؤثرة في الحياة الاقتصادية والثقافية والعلمية. حملوا معهم خبراتهم ومهاراتهم التي اكتسبوها من حضارة الأندلس المزدهرة، وطبقوها في موطنهم الجديد، مما أثرى المشهد الاقتصادي والثقافي المصري بصورة ملحوظة. برع الأندلسيون في التجارة ومجالاتها المتعددة، واشتهروا بمهارتهم في صناعات متنوعة، كما كان لعلمائهم وأدبائهم دور بارز في إثراء الحركة العلمية والأدبية في مصر، من خلال التأليف والتدريس ونشر المعرفة، وفيما يلي تفصيل لجوانب مهمة من هذا الدور الحيوي:
النشاط التجاري
كان للعائلات الأندلسية التي استقرت في القاهرة أو الإسكندرية دور واضح في تجارة التوابل خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر، حيث استقر عدد من الأندلسيين بالهند وعمل عدد منهم تجاراً سفارين بين الهند وجدة والقاهرة، واستطاعوا أن يحرزوا دوراً هاماً في تجارة البحر الأحمر، مثل عائلة ابن سويحة وعائلة المعاجيني.
كما ساهمت العائلات الأندلسية في تفعيل العلاقات التجارية بين مصر ومدن الذهب في وسط غرب إفريقيا، بسبب وجود طائفة أندلسية مهمة في تمبكتو وكانو، حيث اتجهت أعداد كبيرة من الأندلسيين للهجرة والاستقرار هناك. وكانت عائلة الصباغ واحدة من أهم العائلات التي تخصصت في تجارة تراب الذهب خلال القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر.
قامت العائلات الأندلسية التي استقرت في رشيد بدور حيوي في التجارة بين مصر وإسطنبول، وكانت العناصر الأندلسية والمغربية من أكبر العناصر التي استفادت من قيام ووجود الدولة العثمانية على المستوى الاقتصادي.
الإسهامات العلمية والثقافية
قدم الأندلسيون إسهامات كبيرة في الحياة العلمية والثقافية في مصر عبر القرون. ينقل الأستاذ الدكتور علي المنتصر الكتاني في كتابه "انبعاث الإسلام في الأندلس" أن المقري ترجم في كتابه "نفح الطيب" لحوالي 37 عالماً وفقيهاً وأديباً من الأندلسيين الذين استقروا في مصر.
من العلماء الأندلسيين البارزين الذين استقروا في مصر:
- الإمام أبو القاسم الشاطبي (من شاطبة) صاحب "حرز الأماني" و"العقبة"، دخل مصر سنة 572هـ، وتوفي بالقاهرة عام 590هـ.
- الحافظ أبو الخطاب بن دحية (من دانية)، من أعلام اللغة العربية والحديث، توفي بالقاهرة سنة 633هـ.
- الطبيب أبو محمد عبد الله بن البيطةار (من مالقة)، رئيس العشابين في عهد الملك الكامل.
- الصوفي أبو الحسن علي الششتري (من ششتر)، توفي في دمياط عام 668هـ.
- الولي سيدي أبو العباس المرسي (من مرسية)، توفي بالإسكندرية سنة 686هـ.
- المقري نفسه، صاحب "نفح الطيب"، استقر بالإسكندرية ثم القاهرة.
من العائلات الأندلسية في مصر
مما سبق في هذا المقال يتضح أن جمًّا غفيرًا من مهاجري الأندلس اتخذوا من مصر مقصدًا لهم بعد النكبة الكبرى وسقوط غرناطة، ولذلك فإن عدد العائلات التي تعود بأصولها إلى الأندلس في مصر يفوق كل تصور. ولأسباب عديدة سبق ذكرها، فضّل كثير من الأندلسيين، لا سيما الموريسكيين، إخفاء هويتهم الأصلية، تجنبًا لما ارتبط بها من اتهامات بالهزيمة، والتنصر القسري، والارتداد، وغير ذلك من الأحكام القاسية. كما أن ألقاب كثير منهم ارتبطت بالمدن أو القرى التي حلوا بها لفترة كمرحلة انتقالية قبل الاستقرار النهائي، مما ضاعف من صعوبة تتبع أنسابهم.
ومن بعض هذه العائلات الأندلسية التي استقرت في مصر:
- القرن 13م: قبيلة الحمادي الأنصاري – من الأندلس إلى فاس، ثم طرابلس، واستقرت في الإسكندرية.
- القرن 15م: عائلة الرويعي – استقرت في الإسكندرية، رشيد، القاهرة.
- القرن 15م: عائلة شوافع المعابدة الأنصار – من غرناطة إلى أسيوط ووسط الصعيد.
- القرن 16م: عائلة العليج – استقرت في القاهرة.
- القرن 16م: عائلة الشاطبي – استقرت في الإسكندرية.
- القرن 16م: عائلة الزمطر – استقرت في القاهرة.
- القرن 16م: عائلة العادلي – استقرت في القاهرة.
- القرن 16م: عائلة الطرودي – استقرت في الإسكندرية، القاهرة.
- القرن 16م: عائلة البرجي – استقرت في الإسكندرية، القاهرة.
- القرن 16م: عائلة ابن سويحة – استقرت في البرلس، بولاق.
- القرن 16م: عائلة الصباغ – استقرت في القاهرة.
- القرن 16م: عائلة ميزون – استقرت في القاهرة.
- القرن 16م: عائلة ابن الكاتب – استقرت في الإسكندرية.
- القرن 16م: عائلة غروش – استقرت في الإسكندرية.
- القرن 16م: عائلة المسلاتي – استقرت في القاهرة.
- القرن 16م: عائلة الناستوري – استقرت في القاهرة.
- القرن 16م: عائلة ابن غير – استقرت في القاهرة.
- بداية القرن 17م: عائلة ابن مسمح – استقرت في رشيد.
- بداية القرن 17م: عائلة ابن نقيطة – من طليطلة إلى القاهرة.
- بداية القرن 17م: عائلة الحوني – من قرطبة إلى القاهرة.
- بداية القرن 17م: عائلة جبريل – من قرطبة إلى القاهرة، الإسكندرية.
- بداية القرن 17م: عائلة القطري – استقرت في القاهرة.
- بداية القرن 17م: عائلة المعاجيني – من قرطبة إلى القاهرة.
- منتصف القرن 17م: عائلة المقري – من قرطبة إلى الإسكندرية.
- منتصف القرن 17م: عائلة الهجان – من غرناطة إلى القاهرة.
- منتصف القرن 17م: عائلة ديلون – استقرت في القاهرة.
- القرن 17م: عائلة العنابي – استقرت في القاهرة.
- القرن 17م: عائلة مراسي – من مرسية إلى الإسكندرية، القاهرة.
- القرن 17م: عائلات القاضي القطري الأنصاري – من قرطبة إلى قرى "هو" و"فرشوط" بقنا و"أولاد حمزة" بسوهاج.
كفر الشيخ.. قطعة من الأندلس على ضفاف النيل
اختار الأندلسيون بعد هجرتهم إلى مصر مناطق هادئة وقليلة الكثافة السكانية لتكون مواطن استقرارهم الجديدة، فأسسوا قرى وبلدات تحمل في تسميتها وطابعها العمراني والثقافي ملامح من وطنهم المفقود. وقد انتشرت هذه القرى في دلتا النيل، خاصة في محافظتي كفر الشيخ والغربية، بالإضافة إلى بعض الأحياء في الإسكندرية، ومن أبرزها:
- الحمراوي: نسبة إلى قصر الحمراء الشهير في غرناطة، وتقع بمحافظة كفر الشيخ.
- إسحاقة: من قرى مركز سيدي سالم، ويُرجح أن الاسم له أصل أندلسي.
- أريمون: من قرى مركز سيدي سالم أيضًا، وتحمل اسمًا محرفًا من أصول أندلسية.
- سد خميس: قرية أسسها الأندلسيون في كفر الشيخ.
- محلة موسى: قرية بمحافظة كفر الشيخ ارتبطت بعائلات أندلسية.
- أبو غنيمة: قرية من مركز سيدي سالم، كانت من مواطن استقرار الأندلسيين.
- الناصرية: قرية بمركز بيلا، حافظت على طابع أندلسي في بعض جوانبها.
- سيدي غازي: مدينة بمحافظة كفر الشيخ سكنها مهاجرون من الأندلس.
- المنيل: من القرى التي استوطنها الموريسكيون في كفر الشيخ.
- محلة دياي: تقع في مركز دسوق، وتحمل اسمًا له دلالة أندلسية.
- كفر مجر: قرية من مركز دسوق، سكنها أندلسيون بعد هجرتهم.
- قطور: قرية في محافظة الغربية، اسمها شبيه بأسماء مدن أندلسية.
- عرب المعابدة: جل أهلها أندلسيون، كان أسمها الفرعوني (طهنهور)، الي ان حلو بها.
- حي الشاطبي: أحد أحياء الإسكندرية، نسبة إلى مدينة شاطبة بالأندلس.
- حي المنشية: حي شهير بالإسكندرية، يُعتقد أن اسمه مستوحى من منطقة "لا مانشا" الإسبانية.
وهكذا، فإننا حين نتتبع الخيوط الدقيقة التي تنسج حكاية الأندلس في مصر، لا نُفتش في التاريخ فحسب، بل نلمس الأثر الحيّ في لهجات الناس، وأسماء قراهم، وفي أنفاس الشوارع والأسواق والمحال. فالأندلس لم تكن يومًا حلمًا ضائعًا في كتب التراث، بل بقيت حاضرة، نابضة، تسري في وجدان المصريين كما تسري الروح في الجسد.
في كفر الشيخ، وقطور، وفي محلة دياي وكفر مجر، وفي عرب المعابدة، لا تزال الأرض تحفظ وقع أقدام الموريسكيين، وعبق غربتهم التي صارت وطنًا جديدًا. في حي الشاطبي والمنشية بالإسكندرية، تتناثر الأسماء مثل رسائل شوق كتبتها المدن الأندلسية لمَن احتضنوها بعد الفقد.
الأندلس في قلب مصر، لا كشاهدٍ على ماضٍ انقضى، بل كحضورٍ دائم، يتجدد في أسماء المحلات، في العمارة، في رسائل الماجستير والدكتوراه التي خطها الباحثون بشغف، في الكتب والمؤلفات التي ما زالت تُنهل منها العلوم.
الأندلس في قلب مصر كما القصيدة في قلب الشاعر، لا تُمحى، لا تُنسى. تعيش في الذاكرة الجمعية، في النَفَس الشعبي، في الحنين الذي لا يخفت. من شاطبة إلى الشاطبي، من لا مانشا إلى المنشية، الأندلس لم تغب... إنها هنا، بيننا، تبتسم من بين الحروف، وتُضيء لنا الدرب بما تركه أبناؤها من علم وجمال ونور.
فهل نسينا الأندلس؟ لا، بل نحملها كما يُحمل القلب، دون أن نشعر، لكنها تنبض فينا كلما تلفتنا حولنا...
الأندلس في قلب مصر، وفي قلوب أبنائها، خالدة لا تموت.
لا تنسوا مشاركة المقال مع أصدقائكم وزيارة المدونة لمزيد من المواضيع الشيقة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك