الجمعة، 25 أبريل 2025

خديعة الذاكرة الشعبية: الحلقة الثانية من سيرة الزناتي خليفة وأبو زيد الهلالي

أكذوبة التغريبة: هل كانت مؤامرة ضد السنة؟


راوي صعيدي يمسك بالربابة في مقدمة المشهد، بينما تتجسد خلفه لوحات درامية من السيرة الهلالية، تُظهر أبطالًا وفرسانًا في معارك ملحمية، تعبيرًا بصريًا عن التداخل بين التاريخ والخيال الشعبي


مقدمة السلسلة

هل تساءلت يومًا كيف صاغ الإعلام الشعبي خيالنا؟ كيف تحوّل الزناتي خليفة من بطل سنّي إلى خصم شرير في حكايات الربابة؟ في هذه السلسلة الموثقة، نكشف ما غيّبته الروايات الملفقة وسكت عنه الإعلام، لنُعيد قراءة التاريخ كما كان، لا كما أراده المروّجون. نتابع سويًا فصولًا منسية من سيرة الزناتي، فارس المغرب، وغريم الفاطميين.


الحلقة الثانية: الهلاليون على أبواب تونس – خيانة التاريخ الشعبي

في الحلقة السابقة، تعرفنا على الزناتي خليفة أو المعز بن باديس الصنهاجي، الذي تصدى للنفوذ العبيدي الباطني، وأعاد شمال إفريقيا إلى حضن الخلافة العباسية السنية.
لكن الروايات الشعبية ظلمته، وبدلًا من أن تخلّده بطلاً، جعلته خصمًا شريرًا في ملحمة "التغريبة الهلالية".
وفي هذه الحلقة، نواصل رحلة الكشف: ماذا حدث عندما وصلت جموع بني هلال إلى مشارف تونس؟
كيف تآمرت الدولة الفاطمية لإسقاط الزناتي؟
ومن هو أبو زيد الهلالي في الحقيقة؟
هل كان بطلًا أم مجرد أداة في مؤامرة كبرى؟


(وبينما الزناتي ف بلاده.. والجيش واقف على حدوده... جِت له الأخبار وشها سادَه... يا زناتي الهلالي جاك بجنوده... فتّش ع الناس تلقى السيادة... وأبو زيد بيحلف ما يرجع لعوده)

تمام يا حبيبي محمد، دلوقتي جهزتلك الحلقة الثانية بنفس تنسيق الحلقة الأولى من حيث الأسلوب، التنسيق، وضبط اللغة، مع الحفاظ على الفقرات والعناوين ووضوح العرض. إليك النص المضبوط والمجهز للنشر:



(بعد المديح في المُكَمَّل.. أحمد أبو درب سالك.. نحكي في سيرة وكَمِل.. عرب يذكروا قبل ذلك.. سيرة عرب أقدمين.. كانوا ناس يخشوا الملامة.. رئيسهم أسد سبع ومتين.. يسمى الهلالي سلامة)

فبعد أن انعقد في القاهرة مجلس باطني إسماعيلي بقيادة الخليفة العبيدي، وخرجوا برأيٍ شيطاني مفاده رمي السنية الصنهاجية الزيرية بقبائل بني هلال وبعض القبائل العربية الأخرى، خرج بنو هلال لملاقاة أهل السنة الخارجين عن الحكم الشيعي في تونس.

وقد كان أشهر هؤلاء على الإطلاق سلامة بن رزق الهلالي (أبو زيد الهلالي). وعلى الرغم من شهرته، لم يكن أبو زيد الهلالي محور هذه الملحمة، وإنما كان واحدًا من أربعة انتهت إليهم الرئاسة في القبيلة، وهم:

  • حسن بن سرحان المعروف بـ(أبي علي)، والمُلقب بالسلطان.
  • دياب بن غانم الهلالي.
  • القاضي بدير بن فايد.
  • أبو زيد سلامة بن رزق الهلالي.

كان أبو زيد أحد أمراء بني هلال بن عامر من هوازن، وفرسانهم، وقائد الجيوش العربية في غزوة هجرة بني هلال التي جاءت بناءً على أوامر من الفاطميين. وقد غزا أبو زيد المغرب لمعاقبة الزيريين الذين تخلّوا عن المذهب الشيعي، مما أضعف الزيريين إلى حد كبير، ونتج عن ذلك سقوط العديد من المدن.

يُعدّ أبو زيد الهلالي شخصية مشهورة في التراث الشعبي، حيث نُسجت حوله الكثير من القصص والأساطير.

ولكن حقيقته كما قال الدكتور مجدي الربعي: مجرم باطني صنع منه التاريخ بطلًا!

فهو شيعي إسماعيلي حارب -هو وقبيلته- أهل السنة في بلاد المغرب لإعادتهم إلى المذهب الإسماعيلي.
لكن الهلالية والشيعة جعلوا منه بطلًا شعبيًا، تُتغنّى بأمجاده الناس على الربابة!

في إطار مسلسل التزييف وتغييب الوعي المتعمَّد، تم تشويه سير أعلام الإسلام، وإضفاء هالة من القداسة على ألد أعداء الأمة، في غفلة من مثقفيها وأهل التاريخ.
ومن هؤلاء المتسللين الذين تم تمجيدهم وتحريف تاريخهم التآمري على الأمة والإسلام:
ذلكم المجرم الباطني المدعو "أبو زيد الهلالي"، الذي صار رمزًا للبطولة والفتوّة في بلادنا العربية.

تدليس وتزيين للباطل

نجد أن كثيرًا ممن يصوّرهم الإعلام والكتّاب على أنهم أبطال ومثل عليا، ما هم إلا حفنة من السفلة والمجرمين وأصحاب عقائد هدامة. ومن أشهرهم أبو زيد الهلالي، الذي تغنّى شعراء الربابة بشجاعته وبأسه، ربما لأن أغلب شعراء الربابة كانوا ينتمون إلى قبيلة بني هلال.


راوي صعيدي يمسك بالربابة في مقدمة المشهد، بينما تتجسد خلفه لوحات درامية من السيرة الهلالية، تُظهر أبطالًا وفرسانًا في معارك ملحمية، تعبيرًا بصريًا عن التداخل بين التاريخ والخيال الشعبي

حتى في قرانا في صعيد مصر، أغلب شعراء الربابة هلالية، فقد صوّروه خارقًا في كل شيء، وأنه عالم في جميع العلوم، وفارس لا يُشق له غبار. له صديق من الجن يُقال له زهران، يأتيه بطاقية الإخفاء وينقل له ما يريد، ويأتيه بما شاء!

أما الشجاعة، فقد بالغ فيها الشعر العربي وأصحاب الربابة حتى جعلوها خوارق، وتجاوزوا بها حدود الطاقة البشرية.
وقد أهّله الشعب العربي، وبالأخص الهلالية، بأن جعلوا علمه يشمل مختلف العلوم والفنون واللغات.
فهو يستطيع أن يتنكر في أي زي، وأن يحترف أي مهنة، وأن يتحدث بأي لغة!

ومن هنا جاء المثل العربي الشهير:
«سكة أبي زيد كلها مسالك»
كناية عن قدرته الخارقة على اجتياز الصعاب.

ابتدعت الملحمة الشعبية مبررًا للغزوة الهلالية، التي اصطحب فيها أبو زيد من نجد إلى بلاد المغرب خيرة الفرسان، ومن بينهم: يحيى، ومرعي، ويونس.
وكان المبرر هو وقوع أولئك الفتيان الثلاثة في يد الخليفة الزناتي بمدينة تونس الخضراء.

واحتال أبو زيد حتى تخلّص من الأسر وعاد إلى قومه في نجد.
فما كان منهم إلا أن قاموا معه قومة رجل واحد، واستهدفوا مدينة تونس، بناءً على أوامر الخليفة الفاطمي لمحاربة الزيريين.

وإلى لقاء قريب في الحلقة القادمة إن شاء الله...


المصادر لمن أراد:

  • سير أعلام النبلاء
  • تاريخ ابن خلدون
  • تاريخ الفتح العربي في ليبيا
  • الدولة الفاطمية – د. علي الصلابي
  • المشاهير والأعلام – المعز بن باديس (الزناتي خليفة)
  • المستشار صلاح رسلان الأنصاري

إلى لقاء قريب في الحلقة الثالثة بإذن الله...

في الحلقة القادمة نكشف حقيقة الصراع بين أبي زيد والزناتي خليفة، ونفكك ما روّجته السيرة الهلالية من بطولات زائفة وأهداف خفية لغزو تونس.


المصادر لمن أراد التوثيق:

  • سير أعلام النبلاء
  • تاريخ ابن خلدون
  • تاريخ الفتح العربي في ليبيا
  • الدولة الفاطمية – د. علي الصلابي
  • المشاهير والأعلام – المعز بن باديس (الزناتي خليفة)

بقلم – المستشار/ صلاح رسلان الأنصاري 
تم نشر هذا المقال بإذن خاص من صاحبه: [رابط صفحة الكاتب على فيسبوك]
جميع الحقوق محفوظة لصاحب السلسلة، وقد تم إعداد هذا النشر بتنسيق خاص لتيسير الاطلاع والبحث.

◾رابط الحلقة الأولى:

◾رابط الحلقة الثالثة:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك