الأحد، 27 أبريل 2025

قبيلة صنهاجة: التاريخ العريق لإحدى أكبر قبائل المغرب العربي

قبيلة صنهاجة: أسطورة المغرب العربي وصانعة ممالك الصحراء


في قلب الصحراء الممتدة، وعلى قمم الجبال الصامدة، يمتطي فرسان الطوارق صهوات العزة، بزيهم المهيب ولثامهم المضيء بهيبة التاريخ. عرب وأمازيغ، يجمعهم الإيمان، وتوحدهم الأرض، وتظللهم سماء الحرية والشرف

حين نتحدث عن تاريخ شمال إفريقيا، لا يمكن تجاوز ذكر قبيلة صنهاجة، التي لعبت دورًا محوريًا في صياغة ملامح المغرب العربي في العصور الوسطى. فقد كانت صنهاجة واحدة من كبريات القبائل الأمازيغية، ولها مساهمات بارزة في نشر الإسلام، وتأسيس ممالك عظيمة، وتشكيل التحالفات السياسية والعسكرية التي غيرت مجرى التاريخ في المنطقة.

في هذا المقال، نستعرض معًا تاريخ قبيلة صنهاجة، أصولها، فروعها، أهم شخصياتها، ودورها البارز في التاريخ الإسلامي.


أصل قبيلة صنهاجة

تنتمي صنهاجة إلى الشعوب الأمازيغية العريقة. وقد ذكر المؤرخون، ومنهم ابن خلدون، أن صنهاجة إحدى القبائل الكبرى الثلاث للأمازيغ، إلى جانب مصمودة وزناتة. ويُعتقد أن موطنهم الأصلي كان شمال الصحراء الكبرى والمناطق الجبلية بالمغرب، قبل أن تتوسع فروعهم نحو الشمال والجنوب مع الزمن.

ووفقًا للروايات التاريخية، فإن اسم "صنهاجة" مشتق من جدهم الأعلى "صنهَاج"، مما يرسخ انتماءهم العميق للأمازيغ القدماء الذين عاشوا في شمال إفريقيا منذ آلاف السنين.

طبعًا، هذا نص رائع وثري بالمعلومات، وسأعيد لك صياغته بلغة قوية فصيحة، مع الحفاظ على روح النص والأفكار الأصلية، وتحسين الأسلوب والتسلسل والترقيم بشكل أكاديمي منظم.



القول بعروبة صنهاجة وكتامة

اختلف النسابون والمحققون قديمًا وحديثًا حول أصل قبيلتي كتامة وصنهاجة، بل وعموم قبائل المغرب العربي: هل يعودون إلى أصول حميرية يمنية أم إلى البربر الأصليين بالمغرب؟


الرأي القائل بحميرية كتامة وصنهاجة

أغلب المؤرخين والنسابين المشارقة القدماء نسبوا كتامة وصنهاجة إلى قبائل حمير اليمنية. ومن هؤلاء:

  1. البلاذري (توفي 279هـ) في كتابه أنساب الأشراف، وقد ألّفه قبل تفكك الخلافة الإسلامية وتداخل السياسة بالأنساب.
  2. السمعاني (توفي 562هـ) في كتابه الأنساب.
  3. ابن الأثير (توفي 630هـ) في كتابه اللباب في تهذيب الأنساب.
  4. ابن خلكان (توفي 681هـ) في كتابه وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، حيث قال عن الملثمين:

    "أصل هؤلاء القوم من حمير بن سبأ، وهم أصحاب خيل وإبل وشاء، يسكنون الصحارى الجنوبية، وينتقلون من ماء إلى ماء كالعرب، وبيوتهم من شعر ووبر."

  5. القلقشندي (توفي 821هـ) في كتابه نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، حيث أورد أن مؤرخين كبارًا نسبوا صنهاجة إلى حمير، منهم: الطبري، المسعودي، عبد العزيز الجرجاني، ابن الكلبي، والبيهقي.

رواية الطبري

قال الطبري:

"العمالقة منهم البربر، وهم بنو ثميلا بن مارب بن فاران بن عمرو بن عمليق بن لوز بن سام بن نوح، عدا صنهاجة وكتامة، فإنما هم بنو أفريقش بن قيس بن صيفي بن سبأ."

ويفصل الطبري بأن أفريقش بن قيس، أحد ملوك التبابعة، قاد هجرة إلى أفريقيا، حيث فتحها وأسكن بها البقية من الكنعانيين الذين احتملهم معه من سواحل الشام.
(الطبري، تاريخ الأمم والملوك، القاهرة، 1326هـ، ج1، ص207–442).

تحليل:
يتضح من رواية الطبري أن أصل البربر شرقي، مرتبط بالسلالة السامية (القحطانية) والعروبة بشكل عام.

  1. السيوطي (توفي 911هـ) في كتابه لب اللباب في تحرير الأنساب، أكد بدوره النسب الحميري لكتامة وصنهاجة.

الروايات المتأخرة ونسب البربرية

أما الرأي القائل بأن كتامة وصنهاجة قبائل بربرية، فهو رأي بعض المؤرخين المتأخرين مثل:

  • ابن خلدون
  • ابن حزم
    وكلاهما من بلاد المغرب.

ومع ذلك، يذكر ابن خلدون أن أفريقش بن قيس غزا إفريقيا وقتل ملكها جرجير وبنى المدن والأمصار.
(ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر، بيروت، 1959، ج6، ص176).

ويذهب أيضًا إلى أن البربر بقايا قبائل كنعانية فلسطينية.
(العبر، ج7، ص7).

النسابة البربر ورواياتهم

أورد ابن خلدون أن نسابة البربر أنفسهم، كـ:

  • هاني بن بكور الضريبي
  • سابق بن سليمان المطماطي
  • كهلان بن أبي لؤي
  • أيوب بن أبي يزيد

كانوا ينسبون قبائل البربر إلى العرب، فالبتر من ولد بر بن قيس بن عيلان، والبرانس أبناء برنس بن بر بن مازيغ بن كنعان بن حام.

استنتاج:
رغم وجود روايات بربرية متأخرة، إلا أن معظم الروايات النسبية القديمة (حتى عهد السيوطي) كانت تنسب صنهاجة وكتامة إلى قبائل حميرية يمنية، استنادًا إلى مدونات مكتوبة توارثتها أجيال الإخباريين اليمنيين بدقة، في حين كان البربر يفتقرون إلى أدب مكتوب آنذاك.

أدلة لغوية

أثبت علماء اللسان أن الأبجدية التي يستعملها الطوارق (تيفيناغ) مستعارة من الفينيقية، وهي بدورها من اللغات السامية.
كما أن اللغتين العربية والبربرية تتميزان بوجود الحروف الحلقية، مما يدعم الفرضية الشرقية الأصل للبربر.

الهجرة الكبرى

أول من هاجر إلى شمال إفريقيا، بحسب الروايات، هو أفريقش بن قيس بن صيفي بن سبأ بن كعب بن زيد بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، في ذروة عصر مملكة سبأ وحمير.

(د. أيمن زغروت، النسابون العرب).

شهادة أدبية

اختتم الحسن بن رشيق القيرواني (توفي 456هـ) مادحًا الأمير البربري ابن باديس الصنهاجي قائلاً:

"يا ابن الأعزة من أكابر حمير
وسلالة الأملاك من قحطان"

(مقتبس من كتاب بربر أمازيغ عرب عاربة، د. عثمان سعدي).


تعقيب ما أشدّ غفلة من يعلي النسب على الدين، ويقيم ميزان الفضل على وهم الدماء! نرى اليوم أقوامًا من بعض العرب المتشددين يغلون في تمجيد عروبتهم، كأنها جواز نجاة، ويُهوّنون من شأن الأمازيغ، وكأن المجد قد خُلق حكرًا على قوم دون قوم. ومن الأمازيغ من غشيته غشاوة الجفاء، فراح يناصب العروبة العداء، ناسيًا أو متناسيًا أننا أبناء رجل واحد: آدم، وآدم من تراب.

وقد نطق الصادق المصدوق، صلى الله عليه وسلم، بكلمة الفصل: «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح».
العروبة، يا هؤلاء، لسانٌ ينطق لا دمٌ يسري، وروحٌ تنبض لا عرقٌ يُفتخر به.
أما التاريخ، فهو قاضٍ لا يجهل ولا يتحيّز، يشهد أن الأمازيغ حملوا مشاعل الإسلام إلى أقطار إفريقيا، وثبّتوا حصون الأندلس دهورًا، حين خارت عزائم غيرهم. وفي صعيد مصر، قامت دولة هوارة، حيث انصهرت دماء العرب والأمازيغ، وتآلفت قلوبهم على نصرة الدين والعزة.
اليوم، لا تعرف الهوارة إلا بالشرف والكرم والنجدة، صفاتٌ هي ميراث العرب والأمازيغ معًا، وكل من ركب صهوة الجهاد دفاعًا عن الإسلام، وحمل في صدره القرآن العربي المبين.
فدعوا العصبيات الجاهلية، ولا تفتنكم أنسابكم، فإنما ميزان الله بين العباد تقوى القلوب وعمل الصالحات.

 "الأنساب أوعية، وما يملؤها إلا الإيمان والعمل الصالح؛ فمن امتلأ وعاؤه زكى، ومن خلا فرغ، وسواء في ذلك العربي والأمازيغي وكل بني آدم."

 

صورة لملامح وعيون أبناء لصحراء المغربيه، وعلى قمم الجبال الصامدة، يمتطي فرسان الطوارق صهوات العزة، بزيهم المهيب ولثامهم المضيء بهيبة التاريخ. عرب وأمازيغ، يجمعهم الإيمان، وتوحدهم الأرض، وتظللهم سماء الحرية والشرف



فروع قبيلة صنهاجة

لم تكن صنهاجة قبيلة واحدة موحدة دائمًا، بل كانت تتكون من فروع وبطون متعددة. ومن أبرز فروعهم:

  • صنهاجة الشمال: الذين استقروا في جبال الريف وجبال الأطلس، وشكلوا تحالفات مع القبائل الأمازيغية الأخرى.
  • صنهاجة الجنوب: الذين انتشروا في الصحراء الكبرى، وأسهموا في تأسيس ممالك صحراوية مثل مملكة غانة الإسلامية.
  • اللمتونة: من أشهر بطون صنهاجة، وقاد زعماؤها حركة المرابطين، ومنهم خرج الزعيم الشهير يوسف بن تاشفين.
  • كدالة: من قبائل صنهاجة الجنوبية، وكان لها دور كبير في التجارة عبر الصحراء.
  • مسوفة: أيضًا من الفروع الجنوبية لصنهاجة، وهي من القبائل التي سيطرت على طرق التجارة بين المغرب والسودان الغربي.


دور صنهاجة في التاريخ الإسلامي


المساهمة في نشر الإسلام

مع دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا، كان لصنهاجة دور بارز في نشر الدين الإسلامي بين القبائل الأخرى، وفي المناطق النائية من الصحراء الكبرى. اعتنق أغلب صنهاجة الإسلام في القرن الثامن الميلادي، ثم حملوه إلى أعماق إفريقيا، حتى وصلوا إلى حوض نهر النيجر.

تأسيس دولة المرابطين

يعد تأسيس دولة المرابطين أعظم إنجازات صنهاجة في التاريخ الإسلامي. ففي القرن الحادي عشر الميلادي، قامت قبائل لمتونة بقيادة الشيخ عبد الله بن ياسين بتوحيد بطون صنهاجة تحت راية دينية جهادية.

وبعد معارك طويلة، تمكنوا من إقامة دولة المرابطين، التي شملت أجزاءً واسعة من المغرب، وموريتانيا، وامتدت إلى الأندلس. وبرز الزعيم يوسف بن تاشفين، المنتمي لصنهاجة، كواحد من أعظم القادة المسلمين، حيث تمكن من هزيمة الصليبيين في معركة الزلاقة بالأندلس عام 1086م.


التحكم في الطرق التجارية

بفضل انتشارهم الواسع عبر الصحراء الكبرى، سيطرت قبائل صنهاجة الجنوبية (خاصة كدالة ومسوفة) على طرق التجارة الحيوية التي ربطت المغرب بالأراضي الإفريقية جنوب الصحراء. وقد أسسوا ممالك قوية مثل مملكة غانة الإسلامية، حيث كان التجار الصنهاجيون ينقلون الذهب والملح والبضائع بين الشمال والجنوب.


أهم شخصيات قبيلة صنهاجة

  • يوسف بن تاشفين: أمير المرابطين ومؤسس مدينة مراكش، وقائد المسلمين في معركة الزلاقة.
  • عبد الله بن ياسين: داعية ومؤسس حركة المرابطين.
  • يحيى بن إبراهيم الجدالي: من قادة اللمتونة الذين ساهموا في بدايات تأسيس الدولة المرابطية.
  • تمام بن يوسف: أحد كبار قادة صنهاجة في فترات لاحقة.


جغرافية انتشار صنهاجة

تنتشر بطون صنهاجة اليوم في عدة مناطق من المغرب وموريتانيا والجزائر ومالي، وإن كانت هويتهم الأمازيغية قد تأثرت بالعروبة والإسلام عبر القرون.

ومن أشهر المواطن الحالية لقبائل صنهاجة:

  • جبال الريف والأطلس المتوسط والكبير في المغرب.
  • ولاية أدرار وموريتانيا والصحراء الكبرى.
  • جنوب الجزائر خاصة منطقة تمنراست.


الصراع مع القبائل الأخرى

دخلت صنهاجة في صراعات طويلة مع قبائل أخرى، خاصة زناتة ومصمودة، سواء بسبب النزاعات السياسية أو بسبب السيطرة على المراعي وطرق التجارة. ومع ذلك، فقد أسهمت هذه التفاعلات في تشكيل حضارات مزدهرة وثقافات متنوعة في المغرب الإسلامي.


تأثير صنهاجة في الثقافة المغربية

يُلاحظ تأثير صنهاجة في الكثير من معالم الثقافة المغربية حتى اليوم، سواء من حيث:

  • العمارة، مثل بناء مدينة مراكش.
  • العادات الاجتماعية المرتبطة بالصحراء.
  • انتشار التصوف والزوايا الدينية التي أسسها بعض مشايخ صنهاجة.


تمثل قبيلة صنهاجة واحدة من الدعائم الكبرى التي بُني عليها تاريخ المغرب الإسلامي. فمنذ نشر الإسلام في الصحراء إلى تأسيس دول قوية مثل المرابطين، ومن السيطرة على التجارة الصحراوية إلى الدفاع عن الأندلس، سطرت صنهاجة بأحرف من ذهب صفحات مشرقة في تاريخنا العربي والإسلامي.

ويبقى السؤال مفتوحًا لك عزيزي القارئ:
هل تعتقد أن تأثير صنهاجة في المغرب العربي لا يزال حاضرًا بقوة حتى يومنا هذا؟ أم أن تطورات العصر قد غيّرت المشهد تمامًا؟

لا تنسوا مشاركة المقال مع أصدقائكم وزيارة المدونة لمزيد من المواضيع الشيقة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك