بني عدي – قرية النور في قلب الصعيد
حينما يُذكر الصعيد تتراءى في الأذهان صور العادات القبلية، وخصومات الثأر التي التصقت بسمعة كثير من قراه، غير أن هناك بلدة فريدة تُشبه البقعة المضيئة في قلب الظلام، وهي قرية بني عدي (أو بني عديات) التابعة لمركز منفلوط بمحافظة أسيوط، القرية الوحيدة في الصعيد التي لم تُسجَّل فيها خصومة ثأرية واحدة.
قرية بلا دماء ولا خصومات
أهل بني عدي تميّزوا عبر تاريخهم بالصلح والتسامح، فغاب عنهم الثأر الذي أنهك غيرهم من القرى. هذه السمة جعلت قريتهم عنوانًا للأمان والاستقرار، وأصبحت نموذجًا يحتذى به في التعايش السلمي داخل الصعيد.
أهل علم وحفظ وذاكرة حادة
السواد الأعظم من أبناء بني عدي من الأزاهرة وخريجي كليات الشريعة والقانون وأصول الدين، فضلًا عن الطب والهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية والترجمة.
ذاكرتهم حادة، وموهبتهم في الحفظ مذهلة، حتى أن معظمهم من حفظة القرآن الكريم، وتغمر حياتهم بركة عجيبة.
التصوف والزهد
التصوف جزء أصيل من هوية بني عدي، فأهلها صوفية على حق، اتسموا بالتواضع، العبادة، ذكر الله، حسن الخلق، وأكل الحلال. يجتمعون على الحضرة بعد صلاة الفجر، ويحيون مجالس الذكر عند سيدي القوشتي الأحمدي البدوي.
تواضع العظماء
قد تجد في بني عدي قاضيًا أو نائب وزير عدل أو أستاذ جامعة أو دبلوماسيًا أو لواءً في الجيش والشرطة، لكنه يجلس بجلباب بسيط غير مكوي على دكة أمام بيته، ممسكًا بمسبحته. وربما ترى من يسكن فيلا فاخرة، لكنه بنفس التواضع يرش الماء أمام بيته بخرطومه، فإذا طرطش على أحد اعتذر له وربما قبّل رأسه.
حصن أمام الوهابية
حاولت التيارات المتشددة أن تخترق القرية، لكنهم فشلوا، فقد ظل أهلها متمسكين بوسطية الأزهر وتصوفهم الأصيل. ولهجتهم لطيفة، وقلوبهم مفتوحة، ينادون الناس: "حبيبنا، قريبنا، ولدنا".
نسب عربي عريق
ينتمي أهل بني عدي إلى العرب من نسل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ما يضفي على القرية مكانة خاصة، ويمدها بجذور ضاربة في عمق التاريخ الإسلامي والعربي.
إن بني عدي ليست مجرد قرية في منفلوط، بل هي نموذج للعلم والخلق والتصوف والبركة. فهي قرية جمعت بين الأصالة والحداثة، بين البساطة والعظمة، وبين العلم والدين.