مرحبًا بكم في أرشيف التاريخ والأنساب العربية – نحن نهتم بكشف أسرار التاريخ العريق والأنساب الأصيلة. لا تنسوا متابعة أحدث المقالات.

الاثنين، 13 أكتوبر 2025

أبناء الأنصار يرفعون راية المجد: تخرج أبطال دفعة 2025 من أكاديمية الشرطة

من ميادين الشرف إلى ساحات العزة: أبطال الأنصار يحتفلون بتخرجهم



صورة جماعية لأبناء قبيلة الأنصار من خريجي دفعة 2025 بأكاديمية الشرطة، يقفون بزيهم الرسمي تعبيرًا عن الفخر والاعتزاز بتاريخهم العريق وخدمتهم للوطن بجانبهم غلاب بك شافعين المعبدي الأنصاري



الحمد لله الذي أكرم عباده بالعلم، وشرّفهم بخدمة الأوطان، وجعل المجد حليفَ الساعين للرفعة والسمو. 

اليوم نقف بكل فخر واعتزاز أمام لحظة تاريخية مشرقة، حيث يتخرج كوكبة من أبناء قبيلة الأنصار الشريفة - سلالة الأوس والخزرج الكرام، أحفاد الصحابة الأبرار - ليلتحقوا بركب الرجال في ميادين الشرف والعطاء، حاملين على أكتافهم أمانة الوطن وراية الأجداد.

يوم الفخر: الأربعاء 8 أكتوبر 2025


في يوم مشهود ولحظة تاريخية فارقة، شهدت أكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة صباح يوم الأربعاء الموافق 8 أكتوبر 2025، مراسم حفل تخرج دفعة 2025 من طلبة كلية الشرطة والضباط المتخصصين للعام الدراسي 2024-2025. وقد شرّف الحفل بحضوره السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، في مشهد مهيب يعكس اهتمام القيادة السياسية بأبطال المستقبل.

وفي لفتة معبّرة عن التعاون والتكامل بين المؤسسات العسكرية والأمنية، شارك طلاب الكلية الحربية زملاءهم من أكاديمية الشرطة في مراسم حفل التخرج، في مشهد يجسد وحدة الهدف والرسالة في خدمة الوطن.

أبطال اليوم: فخرٌ يملأ القلوب


وفي هذا اليوم المبارك، انطلاقًا من اعتزاز قبيلة الأنصار بأبنائها البررة، واعترافًا بفضلهم في ميادين العلم والعمل وخدمة الأوطان، نتقدم بأحر التهاني وأصدق التبريكات إلى أبنائنا الأبطال من آل الطناني وآل شافعين وآل القاضي وآل الأنصاري وآل التريكي، الذين شرّفوا الأهل والعشيرة بتخرجهم المشرّف ضمن دفعة 2025:

ضباط الشرطة الأبطال:

١- الملازم / عبدالرحمن جمال فتوح شافعين الأنصاري. 

٢- الملازم أول / محمد وليد عزالدين شافعين الأنصاري. 

٣- الملازم / أحمد حفظي قاسم صالحين شافعين الأنصاري. 

٤- الملازم / أحمد فوزي صالحين شافعين الأنصاري. 

٥- الملازم أول / أحمد هاني الطناني الأنصاري. 

٦- الملازم أول / عبدالرحمن محمد سلامه الطناني الأنصاري. 

٧- الملازم / محمد أحمد الأنصاري. 

٨- الملازم / محمد حسن سعد التريكي الأنصاري. 

٩- الملازم أول / ياسين أحمد ياسين القاضي الأنصاري. 

١٠- الملازم أول / أحمد القاضي الأنصاري. 

هؤلاء الأبطال العشرة هم امتداد حقيقي لتاريخ عسكري مجيد وإرث عريق من البطولة والتضحية.

نسبٌ شريف وتاريخٌ عسكري مشرّف


لم يكن تفوق أبنائنا الأبطال وليد اللحظة، بل هو ثمرة نسب شريف وتاريخ عسكري ضارب في عمق الزمان. فقبيلة الأنصار في مصر لها جذور عسكرية عريقة تعود إلى فجر الإسلام.

في صدر الإسلام: الفرسان الأوائل


كان الأنصار الأبطال في مقدمة جيش الفتح الإسلامي الذي حرر مصر من الاحتلال البيزنطي، حاملين راية الإسلام والعدل إلى ربوع وادي النيل المبارك. ومن المفارقات العجيبة أن أرض مصر ارتبطت منذ القدم بذرية الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه، حيث تولى ابنه البار قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه ولاية مصر في عهد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وذلك لكثرة أبناء الأنصار في ربوعها.

وفي أرض الصعيد، سطر القائد الباسل لبدة بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ملحمة بطولية خالدة، حين فتح حصن "أنصانا بكورة شندويد" (قرية بصونة حاليًا) الذي كان يضم حامية بيزنطية ضخمة تقدر بأربعين ألف جندي محصنين بأسوار عالية منيعة.

عبر العصور: عطاءٌ متواصل


واستمر عطاء الأنصار عبر القرون، حيث قدموا للوطن قادة عسكريين أفذاذ، مثل الأميرالاي غلاب بك شافعين المعبدي الأنصاري، ابن شندويل البار الذي قاد الجيش المصري في السودان في أواخر القرن التاسع عشر وحاز لقب البكوية، واشتهر بالشجاعة والوطنية حتى خلّده السودانيون بشارع يحمل اسمه في الخرطوم حتى اليوم.


صورة الاميرالاي غلاب بك شافعين المعبدي الأنصاري يتقلد النياشين العسكرية و يحمل سيفه في صورة تجسد عظمة تاريخ السادة الأنصار في مصر والوطن العربي


 في العصر الحديث: شهداء وأبطال


وفي حرب استعادة الكرامة أكتوبر 1973م المجيدة، قدمت قبائل الأنصار في مصر الفرسان والمقاتلين الأبطال والشهداء الأبرار الذين رووا بدمائهم الزكية تراب سيناء الحبيبة، ورفعوا راية النصر عالية خفاقة.

رسالة إلى الأبطال وعائلاتهم الكريمة


إلى آل الطناني الأكارم، إلى آل شافعين الأماجد، إلى آل القاضي النبلاء، إلى آل الأنصاري الشرفاء، إلى آل التريكي الأفاضل:

أبناؤكم اليوم يحملون أمانة عظيمة، هي أمانة الدفاع عن الوطن وحماية أمنه واستقراره. لقد ورثوا عن أجدادهم الأنصار الإيمان الراسخ والشجاعة الفائقة والوفاء الصادق. وها هم اليوم يقفون على أعتاب مرحلة جديدة من العطاء والتضحية.

نبارك لكم هذا الإنجاز العظيم، ونفخر بهؤلاء الأبطال الذين رفعوا رؤوسنا عاليًا. إنهم زينة العائلات وفخر القبيلة ودرع الوطن.

إلى أبنائنا الضباط الأعزاء


أيها الأبطال الشرفاء، أنتم اليوم تحملون على أكتافكم راية الأنصار التي رفعها أجدادكم منذ أربعة عشر قرنًا. أنتم امتداد لنسبٍ شريف وتاريخٍ مجيد لا ينقطع. 

كونوا على قدر هذا الإرث العظيم، واجعلوا من الإخلاص والشجاعة والأمانة منهجًا في حياتكم. فأنتم لستم مجرد ضباط، بل أنتم حماة الوطن وحراس الأمن والاستقرار.

نسأل الله عز وجل أن يبارك فيكم جميعًا، ويحفظكم بعينه التي لا تنام، ويوفقكم في مسيرتكم العملية، ويجعل التوفيق والرفعة حليفكم أينما حللتم وارتقيتم. وأن يجعلكم ذخرًا لوطنكم مصر الحبيبة، وسندًا لعائلاتكم الكريمة، وفخرًا لقبيلتكم الشريفة، وقدوة للأجيال القادمة.

مجدٌ لا ينقطع


هذا هو الأنصار في مصر، قبيلةٌ عريقة لها تاريخ عسكري مشرّف يمتد من صدر الإسلام حتى يومنا هذا. وهؤلاء هم أبناؤها الأبطال الذين يواصلون المسيرة، ويضيفون كل يوم صفحة جديدة إلى سجل العزة والمجد.

فتحية إجلال وإكبار لعائلات آل الطناني وآل شافعين وآل القاضي وآل الأنصاري وآل التريكي، الذين أنجبوا هؤلاء الأبطال الأماجد.

وتحية فخر واعتزاز لكل أبناء الأنصار في مصر الذين حملوا الراية عبر القرون ولا زالوا يرفعونها عالية خفاقة في سماء المجد والشرف.

ألف مبروك للأبطال وعائلاتهم الكريمة ولجميع قبائل الأنصار 

يوم فخر للأنصار في مصر، حيث يتخرج أبناؤهم الأبطال من أكاديمية الشرطة دفعة 2025، حاملين راية المجد والعطاء لخدمة الوطن بعز وشرف.





باب في ذكر ما انتشر من أنساب الأنصار الكرام في ديار أسيوط من صعيد مصر وما والاها من البلاد

قبائل السادة الأنصار بالديار الأسيوطية


صورة تظهر فرسان الأنصار وفي الخلفية المسجد النبوي الشريف و كتب على الغلاف أنصار محافظة أسيوط


فصلٌ في فضل النسب الشريف وتمهيدٌ في مكانة الأنصار


بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإنه من المقرر عند أهل العلم والمعرفة، والمسلَّم به عند ذوي الألباب والبصيرة، أن الأنساب الشريفة والأحساب المنيفة من أعظم ما يُعتنى بحفظه وضبطه، وأجلّ ما يُعنى بتدوينه وتقييده، إذ بها تُعرف المراتب وتتميز المناقب، وبها يُصان التاريخ من الاختلاط والالتباس، وتُحفظ الأصول من الدخيل والملتبس.

واعلم ـ رحمك الله وأرشدك إلى سواء السبيل ـ أن من أطيب الأنساب معدنًا، وأزكاها منبتًا، وأشرفها أصلًا، وأعلاها منزلةً ومحلًا، نسب الأنصار الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، الذين شرّفهم الله جل وعلا بنصرة دينه وحماية نبيه صلى الله عليه وسلم، فآووا المهاجرين حين هاجروا، ونصروا الرسول حين استُضعف، وبذلوا الأموال والأنفس في سبيل إعلاء كلمة الله، حتى نزل فيهم القرآن مادحًا ومثنيًا، ووصفهم بأوصاف لم تجتمع لغيرهم من القبائل.

فهم الأوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة من الأزد، الذين نزلوا يثرب فعمّروها وشيّدوا مجدها، ثم كانوا أنصار الإسلام وحماة الدين، فاستحقوا بذلك ثناء الله ورسوله، وصار لقب "الأنصار" شرفًا لا يدانيه شرف، وفخرًا لا يعلو عليه فخر.

ولما كان النسب إذا طاب معينه وصفا مورده، طابت فروعه وامتدت أغصانه في كل مكان، فقد انتشرت ذرية هؤلاء الأنصار الكرام في أقطار الأرض، ونزل منهم في صعيد مصر ـ وخاصةً في نواحي أسيوط وما حولها من البلدان ـ جماعاتٌ وقبائل، فاستوطنوا تلك الديار، وتناسلوا فيها، وصاروا من أعيان أهلها وذوي المكانة بين ظهرانيها.

فصلٌ في ذكر البيوتات الأنصارية المشهورة بنواحي أسيوط


ولقد كان من أشهر هذه البيوتات الأنصارية التي استقرت في بلاد أسيوط وضواحيها، وذاع صيتها بين الخاص والعام، ثلاثة بيوتات كبار، هي: المعابدة، والطناينة، والعكارمة. وهي بيوتاتٌ جليلة القدر، شريفة الأصل، معروفة النسب، محفوظة السلسلة إلى الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم.

ولكل واحدٍ من هذه البيوتات تاريخٌ عريق، وأصلٌ ضارب في أعماق الزمان، وفروعٌ تشعبت وانتشرت في القرى والنواحي، فصار لها شأنٌ عظيم، ومكانةٌ مرموقة بين أهل تلك البقاع.

بابٌ في تفصيل نسب المعابدة وذكر فروعهم وأماكن استقرارهم


الفرع الأول: في بيان أصل المعابدة ونسبهم الشريف


أما المعابدة ـ وفقنا الله وإياك لمعرفة الحق واتباعه ـ فهم من أشرف قبائل العرب بصعيد مصر وأكرمها محتدًا، إذ يرجع نسبهم الطاهر إلى قبائل بني العباس والسادةالأنصار و ربيعة و هوارة والمرابطين وغيرهم من كرام القوم ، أنصهروا في حلف عربي أندلسي عقب سقوط حاضرة بلاد الإسلام دولة الأندلس
والأنصار المعابدة ذرية الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه كان من أعظم رجالات الأنصار مكانةً وأرفعهم منزلةً، وكان أبوه سعد بن عبادة سيد الخزرج وحامل رايتهم، وأحد النقباء الاثني عشر الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وكان من أجواد العرب المشهورين، حتى قيل: "أجود من حاتم"، فيُقال: "بل أجود من سعد". وقد ورث ابنه قيس هذا الجود والكرم، وزاد عليه الشجاعة والحزم، فكان من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المقربين إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

الفرع الثاني: في ذكر بطون الأنصار المعابدة وأسرهم المتفرعة


وقد تفرع من هذا الأصل الشريف عدة بطونٍ وأسر، استقرت في مواضع شتى من نواحي أسيوط، ومن أشهر هذه البطون وأكثرها ذكرًا:

الطائفة الأولى: قبيلة الشوافع

وهم بطنٌ كبير من المعابدة، يُعرفون بأسماء متعددة، منها: الشافعي، والشافع، والشافعين، وكلها ترجع إلى أصل واحد. وقد نزلت هذه الأسرة الكريمة في عدة مواضع من نواحي أسيوط، فمنهم من استقر في موشا، وهي من القرى المعروفة التابعة لمركز أسيوط، ومنهم من سكن نجع عبد الرسول من نفس المركز، ومنهم طائفةٌ أخرى نزلت في صنبو من أعمال ديروط.

وقد اشتهر من هذه الأسرة جماعةٌ من أهل العلم والصلاح، وكان لهم شأنٌ في بلادهم، وحُفظت أنسابهم في السجلات والمشجرات، وتوارثوا المكانة والجاه كابرًا عن كابر.

الطائفة الثانية: عائلة السعايدة 
من ذرية الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه، الساعدي الخزرجي الأنصاري، وهم أهل علم وخلق وتقوى. 


الطائفة الثالثة: آل الأحمر

وهذه أسرةٌ لها شأنٌ عظيم وتاريخٌ مجيد، إذ يرجع نسبها إلى بني الأحمر، ملوك غرناطة الذين حكموا الأندلس، وهم من ذرية محمد بن يوسف بن نصر، الملقب بـ"الغالب بالله الأحمر"، مؤسس الدولة النصرية في الأندلس، والذي كان آخر من حكم المسلمون من الأندلس قبل سقوطها.

وقد ثبت عند أهل الأنساب أن بني الأحمر، ملوك غرناطة، يرجع نسبهم إلى سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه، وهذا مما اشتهر واستفاض، وذُكر في كتب التاريخ والأنساب.

ولما سقطت غرناطة ودالت دولة الإسلام في الأندلس، رحل من بني الأحمر جماعةٌ إلى بلاد المغرب ومصر، فاستقر بعضهم في صعيد مصر، ونزلوا في الحبالصة من أعمال القوصية وما جاورها من القرى، وبقوا هناك إلى يومنا هذا، محتفظين بنسبهم الشريف، معروفين بأصلهم الكريم.

بابٌ في ذكر الطناينة ونسبهم إلى بني ظفر من الأوس


وأما الطناينة ـ أعزهم الله ـ فهم بيتٌ آخر من بيوت الأنصار الكرام، وأصلهم من الأوس لا من الخزرج، وقد اشتهروا بهذا اللقب "الطناينة" نسبةً إلى جدهم الطناني.

ويرجع نسبهم الشريف إلى زين الدين ظافر الطناني بن محمد بن صالح بن ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري، وهو من بني ظَفَر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، وهم بطنٌ مشهور من بطون الأوس الكبرى.

ومن المعلوم أن بني ظفر كانوا من أهل القوة والشجاعة في الجاهلية والإسلام، وكان منهم رجالٌ أشداء، شهدوا المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لهم بلاءٌ حسن في نصرة الدين.

وقد نزل الطناينة في المنشأة الكبرى من أعمال القوصية، واستوطنوها، وصاروا من أعيان أهلها، واشتهروا فيها بالفضل والمروءة، وحُفظت أنسابهم في دواوين القبائل والأسر، وكان لهم شأنٌ معروف ومكانةٌ مرموقة بين أهل تلك الديار.

ومن عادة النسابين أن يُلحقوا باسم القبيلة أو الأسرة ياء النسبة، فيقال: الطناني، أي المنسوب إلى الطنان أو إلى قبيلة أو مكان بهذا الاسم، ثم جُمع فقيل: الطناينة، على عادة أهل مصر في الجمع بالياء والنون.

بابٌ واسعٌ في تفصيل نسب العكارمة وفروعهم الكثيرة


الفرع الأول: في أصل العكارمة ونسبهم إلى سعد بن معاذ


وأما العكارمة ـ رفع الله قدرهم ـ فهم من أعظم بيوت الأنصار بصعيد مصر شأنًا، وأكثرها فروعًا وأسرًا، إذ تفرع منهم بطونٌ كثيرة، انتشرت في قرى القوصية وأسيوط.

ويرجع نسبهم الشريف إلى الصحابي الجليل، والبطل النبيل، سيد الأوس وفارسها، سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأوسي الأنصاري، من بني عبد الأشهل، رضي الله عنه وأرضاه.

وهذا الصحابي الجليل له مكانةٌ عظيمة في الإسلام، فهو الذي اهتز لموته عرش الرحمن كما ورد في الحديث الصحيح، وهو الذي حكّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة فحكم فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات، وهو سيد الأوس المطاع في قومه، وكان إسلامه فتحًا على قومه، وكان من أشد الناس دفاعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استُشهد في غزوة الخندق من أثر سهمٍ أصابه، فكان من شهداء تلك الغزوة العظيمة.

الفرع الثاني: في ذكر فروع العكارمة وبطونهم


وقد تفرع من نسل هذا الصحابي الجليل فروعٌ كثيرة، منها ما استقر في صعيد مصر، ومن أشهر هذه الفروع:

البطن الأول: الحرازية

وهم بطنٌ معروف من العكارمة، يُنسبون إلى جدهم حراز أو الحراز، وقد اتخذوا مساكنهم في قرى متعددة، أشهرها قرية "قرى الأنصار" ـ وهذه القرية سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى كثرة الأنصار النازلين فيها ـ وكذلك في قرية "مير" من أعمال مركز القوصية.

وقد تفرع من الحرازية عدة أسرٍ مشهورة، حُفظت أنسابها وعُرفت فروعها، ومن هذه الأسر:

آل وهمان: وهم أسرةٌ كبيرة، نُسبوا إلى جدهم وهمان، ولهم انتشارٌ في القرى المذكورة.

آل جاد الله: وهم من الأسر المعروفة، وقد تسمّوا بهذا الاسم المبارك الذي يدل على التفاؤل والرجاء في عطاء الله.

آل جاد الكريم: وهم أسرةٌ أخرى من الحرازية، تحمل اسمًا يدل على شرف الأصل والتسمي بأسماء الله الحسنى.

آل الشيخ: وهذا اللقب يدل على أن من أجدادهم من كان معروفًا بالعلم أو الصلاح، فلُقّب بالشيخ، ثم صار اسمًا لذريته من بعده.

وهذه الأسر الأربع كلها من الحرازية، وكلها ترجع إلى أصلٍ واحد من العكارمة.

الفرع الثالث: في ذكر أولاد جاد المولى


وهؤلاء فرعٌ آخر كريم من فروع الأنصار بصعيد مصر، نزلوا قرية مير من أعمال مركز القوصية، ويُرجّح أهل المعرفة بالأنساب أن نسبهم يتصل بالعكارمة الأنصار، وإن لم يُحفظ تفصيل السلسلة بينهم وبين سعد بن معاذ.

وقد كان لهذه الأسرة مكانةٌ محمودة في بلادهم، واشتهروا بالكرم والمروءة، وحُفظ نسبهم عند أهل تلك النواحي، وعُرفوا بانتمائهم إلى الأنصار الكرام.

بابٌ في ذكر أولاد جاد الحق ونسبهم الأنصاري


وثمّ أسرةٌ أخرى من أسر الأنصار بصعيد مصر، تُعرف بـ"أولاد جاد الحق"، وهم من ذرية جاد الحق بن علي بن سالم الأنصاري، وقد اتخذوا مساكنهم في بني هلال من أعمال مركز القوصية.

وهذه الأسرة وإن لم يُذكر تفصيل اتصال نسبها بأحد الصحابة بعينه، إلا أنها معروفةٌ بالنسب الأنصاري، وقد حُفظ نسبها في السجلات والوثائق، وعُرفت بين أهل البلاد بانتمائها إلى الأنصار.

وقد جرت عادة بعض الأسر أن تُعرف بالنسب الأنصاري الجامع، دون أن يُحفظ تفصيل اتصالها بأحد بطون الأوس أو الخزرج بعينه، وذلك لبُعد العهد، أو لعدم الاعتناء بحفظ السلسلة كاملة، أو لأسبابٍ أخرى. لكن هذا لا يقدح في نسبهم الأنصاري، ما دام محفوظًا مشهورًا عند أهل بلادهم، مُثبتًا في الوثائق والسجلات.

خاتمةٌ في فضل هذه البيوتات وحفظ نسبها


وبعد، فقد تبيّن لك ـ أيدك الله بتوفيقه ـ أن بلاد أسيوط من صعيد مصر كانت ولا تزال دارًا لبيوتاتٍ كريمة من ذرية الأنصار الكرام، الذين آووا ونصروا، وبذلوا الأموال والأنفس في سبيل الله ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهذه البيوتات ـ المعابدة والطناينة والعكارمة وغيرها ـ قد حفظت أنسابها على مدى القرون، وتوارثت المكانة والشرف كابرًا عن كابر، فكانوا أهل فضلٍ ومروءة، وأصحاب علمٍ وصلاح، لم يُنسوا أصلهم الشريف، ولم يتنكروا لنسبهم الكريم، بل تمسكوا به، وافتخروا بالانتماء إلى من نصر الله ورسوله.

وقد كانت عادة هذه البيوتات أن تتسمى بأسماء أجدادها، أو بألقابٍ تُميزها، أو بأسماء القرى والنواحي التي نزلوا فيها، فصارت هذه الأسماء علامةً على انتسابهم، ومعرفةً لفروعهم وبطونهم.

وإن مما يُحمد لأهل صعيد مصر ـ وخاصةً في نواحي أسيوط والقوصية ـ أنهم حفظوا أنساب هذه البيوتات الشريفة، واعتنوا بتدوينها وضبطها، فلم تختلط على الأجيال، ولم تضع في غياهب النسيان، بل بقيت محفوظةً مشهورة، يعرفها الخاص والعام.

وإن من أوجب الواجبات على أبناء هذه البيوتات أن يحفظوا هذا النسب الشريف، وأن يصونوه من الكذب والادعاء، وأن يتخلقوا بأخلاق أجدادهم الأنصار، من الكرم والشجاعة والنصرة للحق والدفاع عن الدين، فإن النسب الشريف أمانةٌ وتكليف، وليس مجرد فخرٍ وتشريف.

نسأل الله تعالى أن يحفظ أنساب المسلمين، وأن يُعلي شأن ذرية الصحابة الكرام، وأن يجمعنا بهم في دار كرامته، إنه سميعٌ مجيب.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.



تمت بحمد الله وتوفيقه


على أرض القوصية... أنساب تحكي مجد الأنصار

بيوت الأنصار العريقة في القوصية: إرث تاريخي وأصالة ممتدة



الصورة تجسد فرسان يحملون رايات كتب عليه عائلات الأنصار في مركز القوصية محافظة أسيوط جمهورية مصر العربية


جذور أصيلة في أرض أسيوط


تزخر بلاد القوصية في مديرية أسيوط بإرثٍ تاريخي عريق، حيث تستقر فيها بيوتات قبيلة الأنصار الشريفة، تلك البيوت التي حملت على عاتقها مسؤولية الحفاظ على أنساب ضاربة في عمق التاريخ الإسلامي. ومن أبرز هذه العائلات الكريمة: جاد الحق في بني هلال، وجاد المولى في مير، والأحمر في الحبالصة، والحرازي في الأنصار، والطناني في المنشأة الكبرى. فكل بيت من هذه البيوت يحمل قصة نسب يعود بجذوره إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، أولئك الذين نصروا الدين ونصروا النبي الكريم.

أولاد جاد الحق: امتداد لنسب أنصاري نبيل


ينحدر أولاد جاد الحق من ذرية جاد الحق بن علي بن سالم الأنصاري، وهم من البيوت المعروفة بأصالتها وعراقتها في بني هلال. حملت هذه الأسرة الكريمة اسمها بفخر، مستمدةً شرفها من انتسابها إلى قبيلة الأنصار العظيمة. وقد توارثت الأجيال المتعاقبة من هذا البيت قيم الأصالة والكرامة والنخوة، محافظين على تراثهم العريق وسمعتهم الطيبة بين أهالي القوصية. فهم امتداد حقيقي لتاريخ مجيد يمتد لقرون من الزمان، تاريخ يحفظ لهم مكانتهم ويشهد على أصالتهم ونسبهم الشريف.

أولاد جاد المولى: نسب يعود لسيد عبد الأشهل


أما أولاد جاد المولى في مير، فيُرجَّح أن نسبهم يعود إلى العكارمة من الأنصار، وتحديدًا إلى عقب الصحابي الجليل سعد بن معاذ بن النعمان الأوسي الأنصاري رضي الله عنه، ذلك الصحابي العظيم الذي كان سيد بني عبد الأشهل، والذي اهتز لموته عرش الرحمن. هذا النسب الشريف يضفي على هذه الأسرة مكانة رفيعة وشرفًا عظيمًا، فهم يحملون في عروقهم دماء من نصروا رسول الله وآووه، ومن ضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. وقد ظلت هذه العائلة محافظة على قيمها الأصيلة وأخلاقها النبيلة التي ورثتها عن أجدادها الكرام.

آل الأحمر: من غرناطة إلى القوصية


وفي الحبالصة نجد آل الأحمر، تلك الأسرة العريقة التي ينحدر نسبها من محمد بن يوسف بن نصر الغالب بالله الأحمر، مؤسس الدولة النصرية في الأندلس، والذي يعود نسبه بدوره إلى الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه، سيد الخزرج وزعيمهم. هذه الأسرة تحمل إرثًا مزدوجًا من المجد والشرف، فهي تجمع بين عزة الأنصار الأوائل وعظمة ملوك الأندلس. فمن أرض غرناطة الخضراء إلى أرض القوصية الطيبة، حملت هذه العائلة الكريمة معها تاريخًا حافلًا بالمجد والسؤدد، وظلت محتفظة بأصالتها وكرامتها عبر القرون.

آل الحرازي: بيت العلم والمشيخة


آل الحرازي في الأنصار هم أيضًا من العكارمة، ويعود نسبهم إلى عقب الصحابي الجليل سعد بن معاذ بن النعمان الأوسي الأنصاري رضي الله عنه، سيد بني عبد الأشهل. ومن هذا البيت الكريم تفرعت أسر عديدة عُرفت بالعلم والصلاح والمكانة الاجتماعية الرفيعة، ومن أبرزها: آل وهمان، وآل جاد الله، وآل جاد الكريم، وآل الشيخ. فهذه الأسر جميعها تشترك في نسب واحد شريف، وتتوارث قيمًا نبيلة من الكرم والشجاعة والعلم والتقوى. وقد كان لهم دور بارز في الحياة الاجتماعية والدينية في القوصية، حيث تولى كثير من أبنائها مناصب المشيخة والإمامة والتعليم.

آل الطناني: حملة لواء الظفريين


وفي المنشأة الكبرى يقطن آل الطناني، تلك الأسرة المباركة التي تنحدر من ذرية الطناني زين الدين ظافر بن محمد بن صالح بن ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري، من بني ظَفَر من الأوس. هذا النسب العريق يربط هذه الأسرة بالصحابة الكرام الذين شهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، وكانوا من أشد الناس بأسًا في الدفاع عن الإسلام. وقد حافظ آل الطناني على هذا الإرث المجيد، فتوارثوا الشجاعة والإقدام والكرم والنخوة، وظلوا على مر الأجيال رمزًا للأصالة والعراقة في بلادهم.

القوصية دار الأنصار


وهكذا، كانت بلاد القوصية في أسيوط دارًا حقيقية لأنسابٍ شريفة وبيوتات عريقة، تجتمع فيها أصول تعود إلى خير القرون وأشرف الأصحاب. فهي أرض يسكنها رجالٌ ورثوا المجد كابرًا عن كابر، وتوارثوا العزّة والكرامة والشرف جيلًا بعد جيل. هؤلاء القوم حملوا على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على مجد الأوس والخزرج العظيم، وظلوا أمناء على أصالة الأنصار وقيمهم النبيلة. فأرض القوصية ليست مجرد بقعة جغرافية، بل هي محضن لتاريخ عريق وإرث إسلامي أصيل، يربط الحاضر بالماضي المجيد، ويذكّر الأجيال بأن شرف الانتساب إلى الأنصار يستوجب الحفاظ على القيم والأخلاق التي اشتهر بها الأنصار الأوائل: النصرة، والإيثار، والكرم، والشجاعة، والوفاء. 

الجمعة، 3 أكتوبر 2025

الجزيرة العربية وقريش… انعكاسات تاريخية في الصعيد المصري

عصبية الجاهلية… وصدى نفس العصبية في المجتمع الصعيدي اليوم



صورة رمزية تعبّر عن عصبية الجاهلية وعلاقتها بالصراع والولاء القبلي في المجتمع الصعيدي اليوم.


جذور العصبية وامتدادها عبر الزمن

في أعماق التاريخ الإنساني، تكمن ظاهرة اجتماعية خطيرة ظلت تتكرر عبر العصور والأمكنة، ألا وهي "العصبية" التي حذر منها الإسلام وحاربها بشدة. هذه العصبية التي كانت سائدة في الجاهلية قبل الإسلام، لا تزال تجد لها صدى في كثير من المجتمعات المعاصرة، وبخاصة في الصعيد المصري، حيث تتجلى في صور مختلفة لكنها تحمل نفس الجوهر: تغليب الولاء للعائلة والقبيلة والنسب على الحق والعدل والإنصاف.
في قلب الصعيد المصري، كما كان الحال في مكة قبل بزوغ فجر الإسلام، توجد عصبية عميقة الجذور تُقدّم الانتماء للفرع والعشيرة والدم على كل القيم الإنسانية والدينية. هذه العصبية الصعيدية ليست سوى انعكاس حيّ ومباشر لعصبية الجاهلية التي كانت تسيطر على بطون قريش وقبائل العرب، وأدت إلى أعظم الصراعات وأشد الفتن وأطول الحروب التي استمرت عقودًا من الزمن.
مشهد من التاريخ: عصبية الجاهلية في أوضح صورها
في مشهد مؤثر ومعبّر من مسلسل "الفاروق عمر" رضي الله عنه، نجد تجسيدًا حيًّا ودقيقًا لعصبية الجاهلية في حوار درامي بين أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي، أحد أشد أعداء الإسلام، وبين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل إسلامه. في هذا الحوار الكاشف، يقول أبو جهل بصراحة مدهشة:
"كنا وبنو عبد مناف كفرسي رهان… إذا أطعموا أطعمنا، وإذا سقوا سقينا، وإذا حملوا حملنا، وإذا أجاروا أجرنا… ثم قالوا: منا نبي! فمتى ندرك ذلك؟ والله لا ندرك ذلك أبدًا! لا والله لا نتبعه ولو أتانا بكل آية، ولو جاء بالشمس في يمينه والقمر في شماله!"





هذا الحوار يكشف بوضوح تام جوهر عصبية الجاهلية وحقيقتها المرّة: إنها تعصب أعمى للفرع والعشيرة والنسب والدم، حتى ولو كان الحق واضحًا كالشمس في رابعة النهار. أبو جهل هنا لا ينكر صدق النبي ﷺ، ولا يشكك في رسالته، بل يعترف ضمنيًا بها، لكنه يرفضها فقط لأنها جاءت من بني هاشم، من بطن منافس لبطنه (بني مخزوم) في السيادة والمجد!

هذا الموقف يكشف أن المشكلة لم تكن في الدليل والبرهان، بل في العصبية والكبر والحسد. لقد كان أبو جهل وأمثاله يدركون الحق لكنهم رفضوه، ليس لشبهة عقلية أو دليل منطقي، وإنما لمجرد أن قبوله يعني الاعتراف بتفوق بطن على بطن، وفرع على فرع.
مواقف بطون قريش المتباينة في زمن الدعوة
لفهم عمق هذه العصبية وتأثيرها، يجب أن ننظر إلى مواقف بطون قريش المختلفة من الدعوة الإسلامية، وكيف تحكمت العصبية في تشكيل هذه المواقف:

1. بنو مخزوم: العداوة المبنية على التنافس

وقف بنو مخزوم - وهم من أكثر بطون قريش ثراءً ونفوذًا - ضد الدعوة بشراسة منقطعة النظير، ليس لأنهم اقتنعوا ببطلانها، بل دفاعًا عن شرفهم وكبريائهم القبلي. كانوا يعتقدون أن النبوة في بني عبد مناف (وخاصة بني هاشم) تهبط من مكانتهم وتقلل من شأنهم بين قريش. من بني مخزوم خرج أبو جهل (عمرو بن هشام)، والوليد بن المغيرة، وهشام بن الوليد، وغيرهم من أشد المعاندين للإسلام.
وهذا حال معظم بطون قريش الأخرى التي وقفت ضد الدعوة بدافع العصبية:
بنو تيم: خرج منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لكن أغلبهم عادوا الدعوة خوفًا من سيادة بني هاشم
بنو زهرة: رغم أن أم النبي ﷺ منهم، إلا أن أكثرهم تأخروا في الإسلام
بنو عبد الدار (بنو شيبة): تمسكوا بامتيازاتهم في خدمة الكعبة وعارضوا الدعوة
بنو الحارث، بنو محارب، بنو عدي، بنو سهم، بنو جمح، بنو أسد: كلهم وقفوا مواقف معادية أو متحفظة بسبب العصبية القبلية

2. بنو عبد مناف: الانقسام الداخلي

رغم أن النبي ﷺ من بني عبد مناف، إلا أن هذا البطن الكبير انقسم بين قبول الحق ورفضه. والسبب ليس عدم وجود الدليل أو البرهان، بل لأن النبي ﷺ كان تحديدًا من بني هاشم، أحد فروع بني عبد مناف، فحسد بعض أبناء البطون الأخرى المجد الذي ناله أبناء عمومتهم من بني هاشم.

3. بنو هاشم: حملة الرسالة والدعوة

وقف بنو هاشم في معظمهم مع النبي ﷺ، وحملوا رسالة الدعوة بكل ثقلها، وصمدوا رغم الأذى الشديد والحصار الاقتصادي والاجتماعي الذي فُرض عليهم في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات عجاف. حتى من لم يسلم منهم مثل أبي طالب عم النبي، وقف معه دفاعًا عنه بدافع القرابة والنسب، وهذا يظهر أن العصبية سلاح ذو حدين.

4. بنو أمية (بنو عبد شمس)العداوة المستحكمة

حارب بنو أمية الدعوة بشراسة، بقيادة أبي سفيان بن حرب وغيره، خوفًا من أن تكون النبوة والسيادة خارج بطنهم، فأحاطوا بأنفسهم العداوة للإسلام. كان التنافس التاريخي بين بني هاشم وبني أمية (كلاهما من بني عبد مناف) عاملًا رئيسيًا في هذه العداوة. وكذلك كان موقف بني نوفل بن عبد مناف، الذين رأوا في الإسلام تهديدًا لمكانتهم الاجتماعية.

5. أبو لهب: عداوة القرابة الأشد مرارة

أبو لهب (عبد العزى بن عبد المطلب) عم النبي ﷺ مباشرة، أخو أبيه، نقم على ابن أخيه النبي ﷺ وعاداه أشد العداوة، ليس لشكّ في رسالته أو تكذيب لدعوته، بل لأن المجد والنبوة كانت لمحمد بن عبد الله لا له. كان يقول في حسرة وغيظ: "لقد تفرقنا على هذا الأمر" - أي أن الشرف والمجد ذهب لمحمد دونه رغم أنهما من نفس البيت! هذا النموذج يمثل أخطر أنواع العصبية: عصبية القريب على قريبه.

واقع العصبية في الصعيد المصري اليوم: أمثلة حية ومؤلمة

للأسف، فإن عصبية الجاهلية ليست مجرد قصة من الماضي البعيد نقرأها في كتب التاريخ والسيرة، بل هي خطر حيّ وواقع ملموس يتكرر بصور مختلفة في كثير من مجتمعاتنا المعاصرة. وفي الصعيد المصري تحديدًا، نجد أن هذه العصبية لا تزال تتحكم في كثير من العلاقات الاجتماعية والمواقف الحياتية، تمامًا كما كانت تتحكم في مكة قبل الإسلام.

الأمثلة الواقعية من الصعيد:

1. العصبية في النزاعات والثارات
في كثير من قرى ونجوع الصعيد، عندما يحدث خلاف أو نزاع بين شخصين، سرعان ما يتحول الأمر إلى صراع بين عائلتين أو قبيلتين بأكملهما. لا يسأل أحد: من المظلوم؟ من المخطئ؟ بل السؤال الأول والأخير: من أي عائلة هو؟
مثال واقعي: في إحدى قرى أسيوط، حدث خلاف بسيط بين شابين حول أرض زراعية، الحق واضح لأحدهما بالوثائق والشهود، لكن عائلة الطرف المخطئ وقفت معه بالكامل، ليس لأنه على حق، بل لمجرد أنه منهم. تطور النزاع إلى مواجهات استمرت سنوات، سقط فيها قتلى وجرحى، وتشردت أسر، كل ذلك من أجل عصبية عمياء لم تبحث عن الحق ولا العدل.
2. العصبية في الانتخابات
في الانتخابات البرلمانية والمحلية، نرى كيف تتحكم العصبية في اختيار المرشحين. الناس لا يصوتون للأكفأ أو الأصلح أو الأنزه، بل يصوتون لمن ينتمي لعائلتهم أو قبيلتهم، حتى لو كان فاسدًا أو جاهلًا أو غير مؤهل.
مثال واقعي: في انتخابات مجلس النواب بمحافظة سوهاج، ترشح ثلاثة مرشحين، أحدهم دكتور جامعي ذو سمعة طيبة وكفاءة عالية، والآخران أقل كفاءة بكثير لكنهما من عائلات كبيرة. انقسم الناخبون على أساس عائلي بحت، وفاز أحد المرشحين الأقل كفاءة لمجرد أن عائلته أكبر عددًا! لم يسأل الناس: ماذا سيقدم لنا؟ ما برنامجه؟ بل فقط: هل هو منا؟
3. العصبية في المصاهرة والزواج
في الصعيد، كثيرًا ما ترفض عائلات تزويج بناتها لشباب صالحين أكفاء، لمجرد أنهم من عائلة "أقل" مكانة اجتماعية، أو من "فرع" آخر، حتى لو كانوا أصحاب دين وخلق ومال.
مثال واقعي: شاب من قرية في قنا، متعلم وذو وظيفة مرموقة، ملتزم دينيًا وأخلاقيًا، تقدم لخطبة فتاة من نفس القرية، لكن عائلتها رفضت بشدة، ليس لعيب فيه، بل لأن عائلته "ليست من نفس الحلف الواحد الذي يجمعهم " في القر
المحافظة! تزوجت الفتاة لاحقًا من شخص من عائلتها، لكنه كان أقل علمياً، سيء الخلق، وعاشت حياة تعيسة. هنا العصبية أضاعت السعادة وأضاعت الدين: قال رسول الله ﷺ: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
4. العصبية في الشهادات القضائية
من أخطر مظاهر العصبية في الصعيد أن البعض يشهد زورًا لصالح أبناء عائلته في المحاكم والنزاعات، حتى لو كانوا على باطل. الشاهد لا يسأل نفسه: هل هذه شهادة حق؟ بل يقول: "لازم أقف مع أهلي وعيلتي".
مثال واقعي: في قضية شهيرة نزاع على ملكية أرض بالمنيا، شهد عشرة أشخاص من عائلة واحدة بشهادات متطابقة لصالح أحد أبناء عائلتهم، رغم أن الحق كان واضحًا لصالح الطرف الآخر بالمستندات. اكتشف القاضي لاحقًا أن جميع الشهود كانوا أقارب، وأن شهادتهم كانت محض عصبية عائلية. هذا إثم عظيم، فالله تعالى يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ" (النساء: 135).
5. العصبية في الوظائف والأعمال
في بعض المؤسسات والشركات في الصعيد، يُفضّل صاحب العمل تعيين أبناء عائلته أو قبيلته، حتى لو كانوا أقل كفاءة من غيرهم. وفي المناصب القيادية، يُرقّى القريب ويُهمّش الغريب، ليس على أساس الجدارة، بل على أساس القرابة.
مثال واقعي: في جمعية أهلية بأسوان، كان هناك موظف كفء ومخلص عمل لسنوات طويلة، لكن عندما خلا منصب المدير، تم تعيين قريب لرئيس مجلس الإدارة في المنصب، رغم أن هذا القريب أقل خبرة وكفاءة بكثير. السبب الوحيد: "لازم المنصب يفضل في العيلة".
6. العصبية في تقسيم الميراث
رغم أن الإسلام حدد قسمة الميراث بوضوح تام، إلا أن العصبية تدفع بعض العائلات في الصعيد لحرمان البنات من ميراثهن، أو إعطائهن أقل من حقهن الشرعي، بحجة أن "الأرض والمال لازم يفضل في العيلة" ولا يذهب لعائلة الزوج! 

7. العصبية في الصلح والعفو
من أجمل تعاليم الإسلام الصلح والعفو والصفح، لكن العصبية في الصعيد أحيانًا تمنع هذا. العائلة التي تعفو أو تصالح تُتهم بالضعف، والشخص الذي يعفو عن قاتل أبيه أو أخيه يُنظر إليه على أنه "وصم عار" على العائلة!
مثال واقعي: في محافظة قنا، قتل شاب آخر في مشاجرة، وأراد والد القتيل أن يعفو عن القاتل لوجه الله، خاصة أن القاتل لم يتعمد القتل، لكن عائلته الكبيرة رفضت رفضًا قاطعًا، وهددوه بالتبرؤ منه إن عفا! قالوا: "العفو ضعف، والعائلة اللي تعفو تتداس". فصار الأمر ثأرًا متبادلًا استمر لسنوات، رغم أن الإسلام يقول: "وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ" (البقرة: 237).

الإسلام وعلاج العصبية: منهج واضح ومتكامل

لم يترك الإسلام هذا الداء الخطير دون علاج، بل حاربه بكل قوة ووضوح منذ اللحظة الأولى. يقول النبي ﷺ بوضوح لا لبس فيه:
"ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" (رواه أبو داود).
هذا الحديث الشريف يضع العصبية خارج دائرة الإسلام تمامًا. وفي حديث آخر أشد وأوضح، سُئل النبي ﷺ عن العصبية فقال:
"أن تعين قومك على الظلم" (رواه أبو داود).
أي أن العصبية المذمومة هي أن تنصر أهلك وعشيرتك وهم ظالمون، أو أن تقف معهم في الباطل لمجرد القرابة. أما النصرة بالحق فهي واجب ومأمور بها.
وفي موقف عملي حازم، وقع خلاف بين مهاجري وأنصاري، فنادى المهاجري: "يا للمهاجرين"، ونادى الأنصاري: "يا للأنصار"، فبلغ ذلك النبي ﷺ فخرج مغضبًا وقال: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة" (متفق عليه). سمّاها منتنة! أي كريهة نجسة يجب التبرؤ منها.
وأعظم من هذا كله، قول الله تعالى في القرآن الكريم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات: 13).
هذه الآية العظيمة تهدم العصبية من جذورها: الناس كلهم من أصل واحد (آدم وحواء)، والقبائل والشعوب موجودة للتعارف والتعاون لا للتفاخر والتناحر، والمعيار الوحيد للتفاضل هو التقوى لا النسب ولا اللون ولا القبيلة.

الخلاصة والعبرة: رسالة إلى أهل الصعيد

أيها الإخوة والأخوات في الصعيد الحبيب:
عصبية الجاهلية ليست تراثًا نفتخر به، بل داء نتداوى منه. إنها ليست "أصالة" بل هي جاهلية بامتياز. الأصالة الحقيقية هي في الوقوف مع الحق ولو على النفس، وفي نصرة المظلوم ولو كان من خصومك، وفي قول الحق ولو على أقرب الناس إليك.
في الصعيد كما كان في مكة، العصبية للفرع والعائلة تفرق المجتمع بدلًا من أن توحده، تؤجج الصراعات والفتن، تطمس الحق وتنصر الباطل، تُهدر الدماء والأموال، تحرم الناس من حقوقهم، وتغضب الله عز وجل.
إن المجتمع الصعيدي قادر - بإذن الله - على أن يحتفظ بكل ما هو جميل في تراثه (الكرم، النخوة، الشهامة، الوفاء، الشجاعة، حماية الضعيف، إغاثة الملهوف، احترام الكبير، الحفاظ على الأعراض)، وفي نفس الوقت يتخلص من العصبية المذمومة التي لا تقدم الحق على الباطل.
العبرة الحقيقية والرسالة الختامية:
لنرفع الحق فوق النسب: فالحق أحق أن يُتبع، سواء جاء من قريب أو بعيد، من كبير أو صغير.
ولنضع العدل فوق العصبية: فالعدل أساس الملك، وبه تستقيم المجتمعات وتزدهر، وبالظلم والعصبية تنهار الحضارات.
ولننصر أخانا ظالمًا بأن نمنعه من الظلم: كما علمنا النبي ﷺ، لا بأن نقف معه في ظلمه.
ولنجعل التقوى والأخلاق والكفاءة هي المعيار: لا النسب والقرابة واللون.
ولنتذكر دائمًا: أن العصبية المذمومة من أكبر أسباب الفرقة والشتات، وأن الإسلام جاء ليوحد الناس على الحق والعدل، لا ليفرقهم على الأنساب والقبائل.
إن التخلص من العصبية ليس خيانة للعائلة أو تنكرًا للأصل، بل هو أعظم ما يمكن أن تقدمه لعائلتك ومجتمعك: أن ترفعهم إلى مستوى الحق والعدل والإنصاف، أن تكون قدوة في الإنصاف حتى من نفسك، أن تربي أجيالًا تقدس الحق لا النسب، العدل لا العصبية.
ختامًا، لنتذكر جميعًا قول النبي ﷺ في حجة الوداع، في أعظم خطبة خطبها في أعظم جمع من الناس:
"يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى. إن أكرمكم عند الله أتقاكم".رواه الإمام أحمد في مسنده (22978)
هذه الكلمات النبوية الخالدة تهدم كل أساس للعصبية، وتضع قاعدة واضحة للتفاضل بين البشر: التقوى فقط، لا النسب ولا اللون ولا القبيلة ولا البلد ولا العائلة.

خطوات عملية للتخلص من العصبية في مجتمعنا

لكي لا يبقى كلامنا مجرد نظريات وعظات، نضع بين أيديكم خطوات عملية واقعية يمكن لكل فرد وأسرة وعائلة في الصعيد أن يطبقها:

1. التربية الأسرية الواعية

ابدأ من بيتك: علّم أولادك منذ الصغر أن الحق فوق كل شيء، وأن العائلة لا تُنصر في الباطل. احكِ لهم قصص الصحابة الذين وقفوا ضد أهلهم نصرة للحق، مثل مصعب بن عمير الذي ترك غنى أهله، وعمر بن الخطاب الذي قاوم عصبية قريش.

2. الشجاعة في قول الحق داخل العائلة

عندما تجتمع العائلة وتتخذ قرارًا ظالمًا أو عصبيًا، كن أنت صوت الحق، حتى لو كنت وحيدًا. قل بأدب ووضوح: "هذا ليس عدلًا، وهذا ليس من ديننا". قد يغضبون منك اليوم، لكنهم سيحترمونك غدًا، وسيتذكرون موقفك عند الله.

3. رفض المشاركة في الظلم

إذا دُعيت لتشهد زورًا، أو للوقوف في نزاع ظالم، أو للتعصب لقريب مخطئ، ارفض بوضوح. قل: "أنا معكم في الحق، لكني لن أكون معكم في الباطل". هذا الموقف الشجاع سيكون بداية التغيير.

4. تكريم المنصفين والشجعان

عندما يقف أحد من العائلة موقفًا منصفًا ضد العصبية، كرّمه وامدحه واجعله قدوة للأجيال. هذا سيشجع آخرين على فعل الصواب.

5. الدعوة إلى الصلح والعفو

كن دائمًا من دعاة الصلح والتسامح، لا من دعاة الانتقام والثأر. ذكّر الناس بفضل العفو وأجره العظيم عند الله، وبأن العفو قوة لا ضعف، وأن الله يحب العافين عن الناس.

6. تغيير معايير الزواج والمصاهرة

عند اختيار الأزواج لأبنائك وبناتك، اجعل الدين والخُلق هما المعيار الأول والأخير، كما أمر النبي ﷺ. قاوم ضغوط العائلة إذا فرضت عليك معايير عصبية. زوّج ابنتك للشاب الصالح ولو كان من عائلة "صغيرة"، وزوّج ابنك من الفتاة الصالحة ولو لم تكن من "الأصول الكبيرة".

7. العدل في الشهادة والقضاء

إذا طُلبت منك الشهادة في نزاع، اشهد بالحق ولو على أقرب الناس إليك. تذكر قول الله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ".

8. نشر الوعي الديني

ادعُ الدعاة والعلماء إلى قريتك ليتحدثوا عن خطر العصبية وحكمها في الإسلام. انشر المقالات والخطب والفيديوهات التي تتحدث عن هذا الموضوع على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بعائلتك وقريتك.
رسالة أخيرة: لنكن خير خلف لخير سلف
أيها الأحبة في الصعيد المصري الكريم:
لقد كان أسلافنا من الصحابة رضي الله عنهم قدوة في التخلص من العصبية. عمر بن الخطاب الذي كان من أشد المتعصبين لقريش، أصبح بعد الإسلام من أعدل الناس وأبعدهم عن العصبية، حتى أنه قال: "لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيًّا لوليته الخلافة" - وسالم كان عبدًا محررًا لا نسب له في قريش! هذا هو الإسلام الحقيقي.
وأبو سفيان بن حرب، الذي حارب النبي ﷺ سنوات طويلة عصبية لبني أمية، عندما دخل الإسلام تخلى عن كل عصبية، وأصبح من المدافعين عن الدين، وقاتل في سبيل الله حتى فقد عينه في معركة اليرموك.
وبلال بن رباح الحبشي، العبد الأسود، رفعه الإسلام حتى أصبح مؤذن رسول الله ﷺ، ورفض النبي ﷺ أن يؤذن أحد غيره في حياته، رغم وجود سادة قريش وأشرافها.
وسلمان الفارسي، الأعجمي من بلاد فارس، قال فيه النبي ﷺ: "سلمان منا آل البيت" - ألحقه بأهل بيته ليس بالنسب، بل بالتقوى والإيمان.
هذه هي القيم التي بنت حضارة الإسلام العظيمة، حضارة لم تُبن على العصبية والقبلية، بل على الحق والعدل والتقوى.
فلنكن نحن اليوم أحفادًا صادقين لهؤلاء الأجداد العظام. لنبني مجتمعًا صعيديًا يحتفظ بكل ما هو جميل في تراثنا (الكرم، الشهامة، النخوة، الشجاعة، الوفاء)، ويتخلص من كل ما هو قبيح (العصبية، التعصب الأعمى، الظلم باسم العائلة، الثأر، التمييز على أساس النسب).
لنكن أقوياء بالحق، لا بالباطل.
لنكن أعزاء بالعدل، لا بالظلم.
لنكن موحدين بالإيمان، لا مفرقين بالعصبية.
ونختم بدعاء النبي ﷺ الذي كان يقوله: "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء"مسند أحمد (2/86).
فاللهم أعذنا من العصبية الجاهلية، واجعلنا من أهل الحق والعدل، وألف بين قلوبنا، واجعل محبتنا فيك، وولاءنا لك، ونصرتنا لدينك، لا لأنسابنا وقبائلنا.
اللهم آمين.
"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (الحجرات: 10)
فلنجعل هذه الأخوة الإيمانية هي الرابط الحقيقي بيننا، فوق كل رابطة دم أو نسب أو قبيلة. فالأخوة في الله أبقى وأعظم وأطهر من كل أخوة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

بقلم د/محمد شافعين الانصاري 

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2025

الغجر والغوازي بين زمان ودلوقتي: من حياة الترحال لفضائح السوشيال ميديا

الحلب زمان على أطراف القرى… الحلب دلوقتي غزوا كل بيت



صورة رمزية تجمع بين الغجر والغوازي زمان في حياة الترحال والخيام، وبين غجر التيك توك اليوم بملابس فاضحة وحركات مبتذلة تعكس الانحدار الأخلاقي.


فيه جماعات كانت زمان مشهورة جدًا في الريف وأطراف المدن، زي الغجر والغوازي والنور، حياتهم كانت مختلفة وغريبة على المجتمع. دلوقتي ومع مرور الزمن، المشهد اتغير خالص، لكن الصفات والطباع فضلت موجودة وإن اختلفت الوسايل. في المقال ده هنتكلم عن أصلهم، حياتهم زمان، وإزاي بقوا يظهروا دلوقتي على التيك توك والسوشيال ميديا في صور تثير الجدل والاشمئزاز.

الغجر والغوازي زمان

  • كانوا عايشين حياة ترحال ما بين القرى وأطراف المدن.
  • سكنهم الأساسي كان الخيام البسيطة.
  • مصدر رزقهم الأساسي كان من الموالد والأفراح.
  • اشتهروا بقراءة البخت والودع والسحر.
  • وكان فيه سلوكيات غير محمودة زي العهر بضم العين.

الأجيال القديمة عايشة أيامهم وفاكرة طباعهم وخصالهم اللي مش محمودة، لكن الأجيال الجديدة ما بقوش يعرفوا عنهم حاجة.

الغجر والغوازي دلوقتي

لما أعدادهم كترت واستقروا في بيوت وشقق، بدأوا يدوروا على سبوبة جديدة بعيد عن الموالد والسحر. لقوا ضالتهم في التيك توك والميديا، وبدأوا يظهروا بمشاهد صادمة:

  • واحدة طالعة ترقص بلبس فاضح وجوزها قاعد يصفق.
  • تانية عاملة ده قدام ابنها في أوضة نومهم.
  • "أشباه رجال" بيستعرضوا نفسهم بحركات مخجلة زي انه يتخزم ويرقص لجمع النقطه قصدي المشاهدات .
  • ناس بتقلع وناس عريانة، في مشاهد في منتهى القرف والاستفزاز.
  • واللي يعرض لحمه حريم بيته من غير لا نخوه ولا حياء
  • واللي تطلع هي وبناتها تعلب و لا تتريق على عريس جاي يتقدم لواحده من بناتها. 
  • واللي رايح يعمل مقلب في مراته وتقع وتصوت قدام الناس واللي يضحك واللي يتريق و اللي يتأمل في تفصيل جسمها. 
  • واللي طالعه ترقص وتغري الشباب. 
  • واللي تطلع تشتم أبوها على الهوى. 

معنى كلمة "الحَلَب"

اللي بيعملوا كده ما يطلعوش غير من فئة اسمها الحَلَب. وعلشان الناس تفهم: الاسم هنا مش مقصود بيه جنس أو عِرق معين، لكنه رمز للتحقير، بيعني فئة من المجتمع فجورها غلب أدبها، وما عندهاش لا أخلاق ولا دين ولا حياء.


اللي بنشوفه النهارده على التيك توك والسوشيال ميديا مش مجرد محتوى عادي، لكنه انحدار في الأخلاق والقيم، واللي بيقدموه دول مش مثال للشعب ولا للناس المحترمة، دول امتداد للغجر والغوازي اللي عاشوا زمان وعُرفوا بصفات مش محمودة.


ومن هنا بييجي الحل في غلق التيك توك ووسائل التواصل الأجنبية واستبدالها بتطبيقات وطنية محلية، تتيح التفاعل الاجتماعي لكن بضوابط تحافظ على قيمنا العربية والإسلامية، وتحمينا من الغزو الفكري ومحاولات اللعب بعقول شبابنا وتغيير معتقداتنا بما يخدم العدو المتربص.


سؤالي ليك: شايف إن الحل فعلاً في غلق التيك توك واستبداله بتطبيقات محلية منضبطة؟ ولا الأفضل إننا نفضل موجودين ونواجههم بنفس سلاحهم؟

السبت، 27 سبتمبر 2025

الطناينة الأنصار: نسبهم وتاريخهم وانتشارهم في بلاد الإسلام

كتاب الكواكب الدرية في أعلام الطناينة الأنصار



تعرف على نسب الطناينية الأنصار، تاريخهم الممتد من الصحابة الكرام، وفروعهم وانتشارهم في مصر والعالم الإسلامي


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، فإن من أعظم ما يُشرّف به المرء في هذه الحياة الدنيا أن يكون من ذرية الصالحين، وأن ينتسب إلى بيت من بيوتات العرب الكريمة التي شرّفها الله تعالى بخدمة دينه ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هذه البيوتات الشريفة التي امتد عبقها في أرجاء البلاد، واشتهر ذكرها بين العباد، بيت الطناينية الأنصار، الذين ينتسبون إلى الدوحة النبوية الطاهرة من جهة النصرة والمؤازرة.


ولما رأيت كثرة التساؤل عن أنساب هؤلاء القوم الكرام، وما قد يعترض سبيل الباحثين من التباس في الأسماء والألقاب، رأيت من الواجب أن أُفرد لهم هذا المصنف، جامعاً فيه ما تفرق من أخبارهم، ومبيناً ما اشتبه من أنسابهم، سائلاً الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم.


الباب الأول: في أصل نسب الطناينة وجذورهم الأولى


الفصل الأول: في ذكر نسبهم الشريف إلى الأنصار

اعلم - رحمك الله - أن الطناينية قومٌ من العرب الأقحاح، ينتسبون إلى أشرف بطون العرب وأكرمها، وهم من صليبة الأنصار الذين شرّفهم الله تعالى بنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأكرمهم بالذكر في كتابه العزيز، حيث قال سبحانه وتعالى: "والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".

وأصل نسبهم يرجع إلى الإمام الزاهد، الولي الصالح، زين الدين ظافر بن محمد بن صالح بن ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري، الملقب بـ"الطناني" - وبه اشتهرت ذريته - وهو من سلالة الصحابي الجليل ثابت بن قيس بن الخطيم بن عمرو بن يزيد بن سواد بن ظفر الأنصاري، من بطن بني ظفر، أحد البطون الشريفة من قبيلة الأوس، إحدى القبيلتين العظيمتين من الأنصار.

هم بنو ظفر من الأوس منازلهم جنوب شرق المدينة منهم الصحابي قتادة بن النعمان الذي أرجع عينه النبيﷺ ودعاله "اللهم اكسبه جمالاً وبزق فيها"

وابن قتاد سئل من أنت قال:

أنا ابن الذي سالت على الخد عينه

فردت بكف المصطفى أحسن الرد

فعادت كما كانت لأول أمرها 

فيا حسن ما عينٍ ويا حسن ما خدِّ


وقد جاء في السلسلة الذهبية لنسبهم الشريف: زين الدين ظافر بن محمد بن صالح بن ثابت بن قيس بن الخطيم بن عمرو بن يزيد بن سواد بن ظفر بن الخزرج بن مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر (ماء السماء) بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

ومن فروعهم : عشيرة البطون وعشيرة الصمدة ومن فروعهم : بنو حسين ، آل سعيد ، بنو خالد ، آل كثير ، آل طلوح ، آل سويط ، بني هتيم ، آل سلطان ، آل مذعر ، الحولة ، البطاح ، العفتان ، الضويحي ، الرسمي ، و آل عدوان ...

ومنازلهم على بعد أثنين كيلومتر عن المسجد النبوي، حصلت فيهم حادثة نزلت بسببها 12 آية من كتاب الله في سورة النساءلمعرفة المزيد عن هذه الحادثة

في ذكر مسجد بني ظفر بالمدينة المنورة وما له من المقام

ومن المآثر التي تدل على عظيم مقام بني ظفر من الأوس، أن لهم مسجداً معروفاً في المدينة المنورة، يقع شرقي البقيع على طرف الحرة الشرقية، اشتهر بمسجد البغلة في كتب التاريخ والرحلات.وقد روى الزبير بن بكار بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس على الحجر الذي في مسجد بني ظفر، وأنه لما أراد زياد بن عبيد الله قلعه، جاءته مشيخة بني ظفر فأعلموه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس عليه، فرده إلى مكانه إجلالاً وتعظيماً.وروي عن محمد بن فضالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بني ظفر فجلس على الصخرة التي في مسجدهم، ومعه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وناس من أصحابه، فأمر قارئاً فقرأ حتى أتى على قوله تعالى: "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً"، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اضطرب لحياه وجنباه.وكان هذا المسجد من الصغار، طوله وعرضه أحد وعشرون ذراعاً، وهو مربع الشكل، وقد عُمّر في زمن الخليفة المستنصر بالله سنة ثلاثين وستمائة، كما يدل عليه حجر الرخام المنقوش فيه، والذي لا يزال موجوداً إلى اليوم.وهذا المسجد شاهد على مكانة بني ظفر الرفيعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى بركة هذا النسب الشريف الذي ينتسب إليه الطنانيون في مصر.اقرأ المزيد...


ثورة تظهر ديار بني ظفر من قبيلة الأوس الأنصار بالمدينة المنورة زمن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مسجد وديار بني ظفر بالمدينة المنورة 

الفصل الثاني: في بيان منزلة أجدادهم من الصحابة الكرام

إن من يتأمل في تاريخ هذا النسب الطاهر، يجد أنه ينتهي إلى واحد من أجلّ الصحابة وأكرمهم منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصحابي الجليل ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري رضي الله عنه، خطيب الأنصار وسيدهم، وصاحب المقام المحمود في تاريخ الإسلام.

وكان ثابت بن قيس من أولئك الرجال الذين شهدوا بيعة العقبة الثانية، تلك البيعة المباركة التي كانت نقطة تحول في تاريخ الدعوة الإسلامية، حيث التزم الأنصار بحماية رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته، فنالوا بذلك شرف الأنصارية الذي لا يُدانيه شرف.

وقد استشهد من بني ظفر جماعة من الشهداء الأبرار في معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب، حيث ضحوا بأرواحهم في سبيل الله دفاعاً عن الإسلام، فرحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته.


الفصل الثالث: في ذكر قيس بن الخطيم وما له من المقام في الجاهلية

ولا يمكن لمن يتحدث عن نسب الطنانيين أن يُغفل ذكر قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري الأوسي، فهو رأس هذا النسب ومصدر الشرف بين قبائل الأوس، وكان من أشراف بني ظفر في الجاهلية، اجتمعت فيه صفات العرب الحميدة من الفروسية والبأس والشرف والمروءة.

وقيس بن الخطيم هو أبو ثابت، واسمه الكامل: قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر الأوسي الأنصاري، وكان من أشهر شعراء العرب في الجاهلية، يُضرب بشعره المثل في القوة والفصاحة، وله في ذلك قصائد خالدة سارت بها الركبان.

وكان قيس فارساً مغواراً، وقائداً مقداماً، له مآثر كثيرة في تاريخ يثرب قبل الإسلام، عُرف بحكمته وشجاعته وكرم أخلاقه، ولم يكن في الأوس من يُجاريه في الشعر والخطابة.


ومن أشعاره التي خلّدها التاريخ، وتناقلتها الأجيال، قوله:

> إذا ما أراد الغدرَ بي فتجلّدي ... على حذرٍ يُخفي الذي أنا مُضمرُ

> وأحلمُ عن قومي وأعلمُ أنهم ... متى أجزهم حلمًا على الجهل يجهلوا


وكان من الذين أدركوا الإسلام، ولكن المنية عاجلته قبل أن يُسلم، ولعل الله أن يعامله بفضله ورحمته لما كان عليه من خصال حميدة في الجاهلية.



الباب الثاني: في ترجمة الإمام الطناني وحياته المباركة


 الفصل الأول: في نسبه ومولده ونشأته

هو الشيخ العالم، الزاهد الورع، شمس الزمان وبدر الأوان، زين الدين ظافر بن محمد بن صالح بن ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري الأوسي الأزدي القحطاني، المعروف بلقب "الطناني"، وبه اشتهرت ذريته من بعده.

وُلد رحمه الله في القرن الخامس الهجري بقرية طنان من أعمال الديار المصرية، في إقليم القليوبية، وإليها نُسب فعُرف بالطناني، وغلب عليه هذا اللقب حتى صار عَلماً عليه وعلى ذريته من بعده.

ونشأ رحمه الله في بيت علم وصلاح، في حجر والدين صالحين، ربياه على مكارم الأخلاق وجميل الخصال، فشبّ على الصلاح والتقى، مُحباً للعلم مُقبلاً عليه، زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة.


الفصل الثاني: في طلبه للعلم ورحلاته

وقد أقبل الإمام الطناني رحمه الله على طلب العلم منذ نعومة أظفاره، فحفظ القرآن الكريم وهو لا يزال صبياً، ثم أخذ في طلب العلوم الشرعية على شيوخ عصره، فبرع في الفقه والتفسير والحديث.

وركب مطايا الرحلة في طلب العلم، فطاف بلاد مصر شرقاً وغرباً، يأخذ العلم من صدور الرجال، ويستقيه من بحور المعرفة، حتى صار من العلماء المشهود لهم بالفضل والنبل.

وقد وصفه معاصروه بأنه كان كثير الانبساط مع الناس، يُظهر التواضع والبساطة، ولكن من خالطه عن قرب عرف ما فيه من الصلاح والديانة، وما يتحلى به من جميل الأخلاق وحسن السيرة.


الفصل الثالث: في زهده وورعه وما نُسب إليه من الكرامات

كان الإمام الطناني رحمه الله من أهل الزهد والتقوى، سلك مسلك الصوفية الصالحين الذين جمعوا بين العلم والعمل، فلم يكتف بتحصيل العلوم بل عمل بما علم، وزهد في الدنيا وأقبل على الآخرة.

وقد انتسب رحمه الله إلى طريقة الشيخ عدي بن مسافر الهكاري، فعُرف بالعدوي نسبة إلى فقراء الشيخ عدي، وسلك مسلكهم في الزهد والتقلل من الدنيا والإقبال على العبادة والذكر.

وشهد له أهل زمانه بالصلاح والولاية، ونُسبت إليه كرامات وأحوال صالحة، دلّت على علو مقامه عند الله تعالى، وما كان عليه من صدق التوجه والإخلاص في العبادة.

وقد ذكره العلامة صلاح الدين الصفدي في كتابه "الوافي بالوفيات" فقال: "ظافر بن محمد بن صالح بن ثابت الأنصاري الجوجري المحتد، العدوي، نسبة إلى فقراء الشيخ عدي، يُعرف بالطناني، نسبة إلى طنان، وهي بلدة بالديار المصرية بها وُلد. كان رجلاً فقيراً، كثير الانبساط، يظهر الخرق، ويُذكر عنه بعض من خالطه صلاحاً وديانة، وتُنسب له كرامة".


الفصل الرابع: في شعره وأدبه

وكان الإمام الطناني رحمه الله أديباً شاعراً، له نظم كثير يدل على رقة طبعه وحسن بيانه، وقد ورث هذه الموهبة من أجداده الأنصار، الذين كانوا من أرباب الفصاحة والبلاغة.

ومن شعره الذي حفظه لنا التاريخ، قوله:

> تميس فتخجل الأغصان منها ... وتزري في التلفت بالغزال

> وتحسب بالإزار بأن تغطت ... وقد أبدت به شكل الجمال

> سلوها لم تغط البدر عمداً ... وتسمح للنواظر بالهلال

> ولم تصلي الحشا بالعتب ناراً ... وفي ألفاظها برد الزلال


وهذه الأبيات تدل على رقة حسه وجمال تعبيره، وما كان عليه من البراعة في صياغة المعاني وحسن اختيار الألفاظ.


الفصل الخامس: في وفاته وما قيل فيه بعد موته

وقد توفي الإمام الطناني رحمه الله في أواخر القرن السادس الهجري، بعد حياة حافلة بالعلم والعمل والزهد والتقى، وخلّف وراءه ذرية صالحة حملت اسمه وحافظت على نسبه الشريف.

وقد ترجم له جماعة من المؤرخين، منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الدرر الكامنة"، والإمام الشوكاني في "البدر الطالع"، وكلهم أثنوا عليه خيراً وشهدوا له بالفضل والصلاح.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عما قدم للإسلام والمسلمين خير الجزاء، ونفعنا ببركته وسره في الدنيا والآخرة.



الباب الثالث: في انتشار ذرية الطناني في البلدان وتفرعاتهم


الفصل الأول: في نزولهم بلاد مصر واستقرارهم بالصعيد

بعد وفاة الإمام الطناني رحمه الله، انتشرت ذريته في أنحاء مختلفة من بلاد مصر، وكان لهم حظ وافر في الانتشار والتكاثر، فعُرفوا بلقب "الطناينة" نسبة إلى جدهم الأكبر.

وقد استقر قسم كبير من نسله في صعيد مصر، وخاصة في بلاد أسيوط وما جاورها، حيث وجدوا أرضاً خصبة ومناخاً مناسباً، فاستوطنوها وتكاثروا فيها، وصاروا من وجهائها وأعيانها.

ولم يكن انتشارهم في الصعيد فحسب، بل امتد نسلهم إلى أقاليم أخرى من مصر، فمنهم من نزل القليوبية والشرقية، ومنهم من استقر بالفيوم والجيزة، ومنهم من سكن المنصورة وقنا، وانتشروا كذلك في البحيرة والدلتا.


الفصل الثاني: في ذكر أعلامهم المشهورين في الصعيد

وقد برز من نسل الطناني أعلام مشهورون، اشتهروا بالعلم والصلاح والمكانة الاجتماعية، ومن أبرزهم:

حسين بن الطناني: وكان من رؤوس العائلة ووجهائها، ومن نسله انبثقت فروع كثيرة، منهم حسن وعلي ومحمد وعبد النبي، وكلهم كانوا من أهل الفضل والمكانة.

حسن بن الطناني: وكان من العلماء المشهود لهم بالفقه والتقى، له تلاميذ ومريدون، اشتهر بحسن سيرته وكرم أخلاقه.

سلمان بن الطناني: من رجال الإصلاح والخير، كان له دور في نشر العلم والدعوة إلى الله في منطقته.

سلامة بن الطناني: اشتهر بالتجارة والكرم، وكان من المحسنين إلى الفقراء والمحتاجين.

منصور بن الطناني: من أهل العلم والقراءة، له مشاركات في الحلقات العلمية وجلسات الذكر.

يونس بن الطناني و زين بن الطناني: من الرجال الصالحين الذين حافظوا على تراث الأسرة وتقاليدها.

علي بن الطناني و مجاهد بن الطناني: اشتهرا بالفروسية والشجاعة، وكان لهما مقام محمود بين قومهما.

سعد بن الطناني و ظافر بن الطناني و مظفر بن الطناني: من الذين حملوا أسماء الأجداد، وساروا على نهجهم في الصلاح والتقى.

سعيد بن الطناني و محمد بن الطناني: من المشتغلين بالعلم والتدريس.

محمود بن الطناني: وله من النسل سالم وسيد بن الطناني، وهم من الذين ثبتوا على الاسم والنسب، وحافظوا على عز الأنصار، فهم من صميم العرب الأقحاح، ومن سواد الأنصار الأوسيين المكين.


الفصل الثالث: في محافظتهم على نسبهم وهويتهم

ومما يُحمد لآل الطناني أنهم حافظوا على نسبهم الشريف عبر القرون، ولم يدعوا الإهمال الإداري ولا التشتيت السياسي يؤثر على هويتهم الأنصارية، فظلوا يُعرفون في نواحي الصعيد بـ"الطناينة أبناء الطناني الأنصاري".

وقد مرت بهم محن وصعاب، خاصة في فترات الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر، حيث تفككت بعض التحالفات القبلية وتشردت العائلات وضاع كثير من الأنساب، كما أُحرقت سجلات كثير من العائلات على يد بعض الحكام ضمن سياسة "فرّق تسد".

ولكن آل الطناني كانوا ممن ثبتوا على اسمهم ونسبهم، ولم يُغيّبهم النسيان، بل ظلوا متمسكين بهويتهم الأنصارية، فخورين بانتسابهم إلى هذا البيت الشريف.


صورة تظهر شعار عائلة الطنانية سيفين متقاطعين بينهم قبة المسجد النبوي
شعار عائلات الطناني بمصر


الباب الرابع: في بيان الفرق بين الطنانيين وغيرهم ممن يشتبه بهم في الاسم


الفصل الأول: في ضرورة التمييز بين الأسماء المتشابهة

من الأمانة العلمية والدينية في حفظ الأنساب وعدم اختلاطها، أن نُميز بين العائلات التي تتشابه في الألقاب وتختلف في الأنساب، فإن كثيراً من الناس يخلطون بين هذه الأسماء، مما يؤدي إلى التباس في الأنساب واختلاط في الهويات.

وقد رأيت أن أُفرد فصلاً خاصاً لبيان الفرق بين الطنانيين الأنصار وغيرهم ممن يحمل أسماء مشابهة، حتى لا يحصل لبس أو اختلاط، وحتى يعرف كل قوم نسبهم الصحيح.


الفصل الثاني: في ذكر الطننه من قبيلة عنزة

الطننه: وهؤلاء فرع من أعراب البدو الكرام، ينسبون إلى مجيدل الطناني الدهمشي العنزي، من فرسان السويلمات من الدهامشه من قبيلة عنزة العدنانية المشهورة.

وقد عاشوا حياة الترحال في البادية، يتنقلون مع مواسم المطر والكلأ، ثم استقر كثير منهم مع قيام الدولة السعودية المباركة في منطقة القصيم والمدينة المنورة، كما نزل بعضهم بلاد الشام وأطراف الديار المصرية.

وهؤلاء قوم كرام أصحاب مروءة ونخوة، ولكن نسبهم يختلف تماماً عن نسب الطنانيين الأنصار، فهم من العدنانيين وأولئك من القحطانيين، وهم من البدو الرحل وأولئك من الحضر المستقرين.


الفصل الثالث: في ذكر الطنانيه من أهل مصر

الطنانيه: وهؤلاء قوم آخرون ينسبون إلى الشيخ عدي الطناني، وكان من أهل الصلاح والتقوى، وهم من سكان قرية طنان فنُسبوا إليها، فيُقال لكل من أقام بها أو انتسب إليها: "طناني".

وقد جرى هذا الاسم على ألسنة العامة والخاصة من أهل الوجه البحري بمصر، وانتشر في نواحي القليوبية وما يليها من الأقاليم.

وهؤلاء وإن اشتركوا مع الطنانيين الأنصار في بعض المناطق الجغرافية، إلا أن نسبهم مختلف، فليس لهم صلة بالأنصار ولا ببني ظفر من الأوس.


الفصل الرابع: في ذكر طنينه من أهل القدس الشريف

طنينه: وهؤلاء بطن من أسرة مقدسية شريفة، ذات أصل راسخ في بيت المقدس، وينسبون إلى عائلة الطناني المقدسية، ولهم مقام مرموق في القدس الشريف.

وقد اشتهر اسمهم بين أهل فلسطين وخارجها بالعلم والمكانة الاجتماعية، وتوارثوا هذا اللقب جيلاً بعد جيل، وهم من الأسر المعتبرة في بيت المقدس.

ولكن نسبهم يختلف عن نسب الطنانيين الأنصار، وإن كان بينهم تشابه في الاسم واللقب.


الفصل الخامس: في ذكر آل طنانه من جبل لبنان

آل طنانه: وهؤلاء من الأسر الشيعية العربية الكريمة، مستقرون في جبل لبنان منذ عهود بعيدة، ويُعرف عنهم ثباتهم العميق وانتماؤهم القوي لأرضهم.

واسمهم متداول في البلاد الشامية، ويعكس شهرتهم رسوخ الأصل وقدم الاستيطان في الجبل اللبناني، وهم من الأسر المحترمة في منطقتهم.

ولكن مذهبهم ومنطقتهم ونسبهم يختلف عن الطنانيين الأنصار أهل السنة والجماعة.


الفصل السادس: في ذكر الطنيان من قبائل العراق

الطنيان: وهؤلاء يرجعون إلى قبيلتي شمر الطائية القحطانية، والدليم العربية، وهما من أعرق القبائل في العراق والجزيرة العربية.

ويتواجدون في نينوى والأنبار والجنوب العراقي والفلوجة والرمادي، وينحدرون من فروع العبدة أو الأسلم أو زوبع، وهم قوم كرام أصحاب تاريخ عريق.

ولكن موطنهم وقبائلهم تختلف عن الطنانيين الأنصار المستقرين في مصر.


الفصل السابع: في ذكر طنيان بني خالد من اليمن والكويت

طنيان بني خالد: وهؤلاء من قبيلة بني خالد القحطانية الكريمة، ويُعرفون بـ"الطنيان بني خالد"، وهم قوم من أشراف العرب وأهل النجدة والكرم، حافظوا على نسبهم ومكانتهم في اليمن وأطرافه.

كما سكن منهم جماعة في الكويت، وعُرفوا بالكرم وحسن السمعة، وهم من الأسر الكويتية التي استوطنت قديماً في فريج الزهاميل في فريج الوسط، وقد استقر بعضهم لاحقاً في الفحيحيل والجبيلا.

ولكن نسبهم وموطنهم الأصلي يختلف عن الطنانيين الأنصار المصريين.


الفصل الثامن: في ذكر طناني بلاد المغرب العربي

طناني المغرب العربي: وهؤلاء منتشرون في ليبيا والجزائر وتونس، وهم قوم ينسبون إلى جدٍّ عُرف بلقب طناني، وهو اسم شهير في تلك الديار المباركة.

وقد جرت العادة أن يُلقب به من كان من ذريته أو من عشيرته، وصار ذلك علماً على طائفة من العائلات العربية في هذه الأقطار الكريمة.

ولكن أصولهم وتاريخهم يختلف عن الطنانيين الأنصار في مصر، وإن اشتركوا في الاسم واللقب.



الباب السادس: في انتشار الطنانيين في العصر الحديث ومناطق تواجدهم


الفصل الأول: في توزعهم الجغرافي في مصر

استقر أحفاد الطناني في مناطق مختلفة من أرض مصر، وكان لهم حضور مميز في عدة محافظات ومراكز، حيث حافظوا على هويتهم الأنصارية وتقاليدهم العربية الأصيلة.


ففي محافظة أسيوط وما جاورها من مراكز الصعيد، استقر القسم الأكبر من نسلهم بمركز القوصية، وصاروا من وجهاء المنطقة وأعيانها، يُعرفون بحسن الخلق وكرم الضيافة والمحافظة على التقاليد العربية.


وفي محافظة القليوبية ومراكزها، حيث كانت قرية طنان مولد جدهم الأكبر، لا يزال لهم حضور وتواجد، وهم محل احترام وتقدير من أهالي المنطقة.


وانتشروا كذلك في محافظة الشرقية، حيث امتزجوا مع القبائل العربية الأخرى، ولكنهم حافظوا على نسبهم ولقبهم المميز.


كما وُجد منهم في محافظة الفيوم و محافظة الجيزة و مراكز المنصورة و محافظة قنا  و محافظة البحيرة وأجزاء من الدلتا.


الفصل الثاني: في احتفاظهم بالتقاليد والعادات الأنصارية

ومما يُحمد للطناينية أنهم حافظوا عبر القرون على كثير من التقاليد والعادات التي ورثوها عن أجدادهم الأنصار، فلا تزال فيهم خصال الكرم والنخوة والمروءة التي اشتهر بها الأنصار.

وهم معروفون بحسن الضيافة وإكرام الضيف، وهذه من أبرز صفات العرب عامة والأنصار خاصة، الذين قال الله فيهم: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".

كما أنهم محافظون على الصلاة والعبادة، متمسكون بتعاليم الإسلام، وفيهم علماء وحفظة للقرآن الكريم، مما يدل على استمرار البركة في هذا النسل الطاهر.


الفصل الثالث: في مساهمتهم في الحياة العلمية والاجتماعية

وقد ساهم الطناينيون عبر التاريخ في الحياة العلمية والاجتماعية في المناطق التي استقروا بها، فمنهم العلماء والقضاة والمدرسون والأئمة والخطباء.

ولهم مشاركات في الحياة الاقتصادية، فمنهم التجار والزراع وأصحاب الحرف، وهم معروفون بالصدق في المعاملة والوفاء بالعهود.

كما كان لهم دور في الحياة الاجتماعية، فهم من الوسطاء في حل النزاعات، ومن المصلحين بين الناس، وهذا من آثار النسب الأنصاري الذي يحملونه.


بلوغ الغاية

وبعدُ، فهذا ما يسَّره الله تعالى من جمع شتات القول في ذكر الطناينية الأنصار، أهل النسب الطاهر، والحسب الباهر، من ذرية أولئك الذين شرفوا بخدمة المصطفى المختار، ونالوا وسام النصرة في الدار والقرار. وقد أوضحنا في هذه الصفحات ما انطوت عليه صدور الكتب، وتناقله الخلف عن السلف، في نسبٍ كريمٍ، وأصلٍ عظيمٍ، وفرعٍ ممتدٍ في بطاح مصر ونجوعها، لا تنقضي عجائبه، ولا تنقطع سلسلته.


فالطنانيون قومٌ اجتمع لهم شرف النسب وشرف العلم، وورثوا من آبائهم الأنصار معاني الإيثار والكرم، واحتفظوا بعهود الوفاء والذمم. تفرّعوا في القرى والبلدان، فكانوا في كل ناحية مصابيح هدى، ومعالم تقى، يصدعون بالحق، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويُشار إليهم بالبنان في المكارم والفضائل.


وقد كان في طليعتهم الإمام الزاهد، والشيخ العابد، زين الدين ظافر الطناني الأنصاري، الذي جمع بين وراثة النسب ونفائس الأدب، فصار عَلَمًا في الناس، ومثالًا في الإخلاص، وخلّف من بعده نسلًا مباركًا، حملوا لواءه، وأحيا الله بهم ذكره، وأبقى لهم بين الخلائق أثره.


فيا أبناء الطناينة الأنصار: اعلموا أنكم من معدنٍ كريمٍ، وغرسٍ شريفٍ، وأصلٍ عريقٍ، وأن الفخر بكم إنما يكون إذا اقترن النسب بالعمل، والتحقيق بالأمل، فإن الأنساب أوعية، وأما الأعمال فهي التي ترفع أصحابها في الدنيا والآخرة. فكونوا على نهج أجدادكم سائرين، وبسيرتهم مقتدين، وبأخلاقهم متحلّين، لتكونوا خير خلف لخير سلف.


هذا، وإن الكلام في أنساب العرب لا ينقضي، والحديث عن الأنصار لا يُستوفى، وإنما هو قبس من نور، ورشفة من بحر، قصدتُ بها التذكير لا الاستقصاء، والتعريف لا الإحصاء. وأسأل الله أن ينفع بهذا الجمع، ويجعله ذخيرةً لي يوم ألقى ربي، وأن يبارك في أعقاب هذا النسب المبارك، ويجعلهم من الصالحين العاملين، والهادين المهتدين.


وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

"هل لديك معلومات إضافية عن الطنانيين أو فروعهم في منطقتك؟ شاركنا في التعليقات."