الزناتي خليفة.. الخصم الشريف في ملحمة الزيف - الحلقة الثالثة
"الهلالي بين السيرة والتاريخ"
في الحلقتين السابقتين من سلسلة "الهلالي بين السيرة والتاريخ"، تعرفنا على الوجه الآخر من السيرة الهلالية، حيث كشفنا كيف تم توظيف الرواية الشعبية لخدمة أهداف سياسية ومذهبية خطيرة.
في الحلقة الأولى، سلطنا الضوء على تحريف السيرة لخدمة المشروع الفاطمي، وكيف تم تصوير أبي زيد الهلالي كبطل مغوار، وهو في الحقيقة أداة في يد الخليفة الفاطمي الشيعي للقضاء على أهل السنة في المغرب.
أما في الحلقة الثانية، فانتقلنا إلى أرض تونس، حيث تناولنا صراع الهلاليين مع الزناتي خليفة، حاكم تونس البربري، ووضحنا كيف زوّرت السيرة دوافع الغزو وجعلته مجرد رد فعل على ظلم الزناتي، بينما الحقيقة كانت حربًا مذهبية بأجندة فاطمية.
واليوم، نواصل رحلتنا مع الحلقة الثالثة، لنكشف مزيدًا من التناقضات في الرواية، ونضع القارئ أمام حقيقة الزناتي خليفة كما تجاهلتها السيرة الشعبية...
نص الحلقة:
(بعد المديح في المُكَمَّل.. أحمد أبو درب سالك.. نحكي في سيرة وكَمِل.. عرب يذكروا قبل ذلك.. سيرة عرب أقدمين.. كانوا ناس يخشوا الملامة.. رئيسهم أسد سبع ومتين.. يسمى الزناتى خليفة)
فبعد أن حرّض الهلالي قومه بنى هلال على الزناتى خليفة بحجة تخليص فرسانهم يحيى ومرعى ويونس من الأسر، وقاموا معه يستهدفون مدينة تونس، أخفى الهلالي هدفه الحقيقي المموَّل له من شيطان مصر آنذاك، الخليفة الفاطمي، وهو:
"القضاء على أهل السنة في المغرب."
ذكرت السيرة المزيفة أن سبب الحرب أن الزناتي خليفة هو الذي دقَّ طبولها أولاً، وذلك عندما طمع في أملاك عزيز الدين بن الملك جبر القريشي، فاستولى عليها وضمها إلى أملاكه الواسعة، ليستغيث الملك القريشي بأبناء عمومته من الهلاليين، فتُصنع مبررات أخلاقية كاذبة لغزو تونس وإفريقيا.
وعلى الجانب الآخر، فقد كان الزناتي خليفة حاكمًا عظيمًا، شديد المراس، قوي الشكيمة. وكان -رغم سنه المتقدمة التي تجاوزت المائة عام في بعض الروايات الشفوية للسيرة- لا يزال يمتلك القدرة على القتال ومصارعة الأبطال في ساحات الوغى والعراك.
بل إن شعراء السيرة الهلالية مدحوا قوته وشجاعته، وذكروها ليس حبًّا فيه، بل لتقوية فروسية وقوة أبي زيد الهلالي؛ فكلما كان العدو قويًا وشجاعًا، بدا الهلالي في صورة أقوى وأشجع.
فقالوا في مدح الزناتي على الربابة وصدقوا:
لكن هذا التمجيد والتعظيم للعدو – كما ذكرنا – هو لتعظيم بطولة الهلالي نفسه، الذي انحازت إليه الرواية السائدة للملحمة، فبقدر ما يتمتع العدو بالشجاعة والبأس والحكمة، بقدر ما كان للانتصار عليه معنى، ولقهره قيمة تُعلي من قدر المنتصر. فما معنى أو قيمة الانتصار على ضعيف وجبان؟
فقد جعلوا من الزناتي، البطل المُعادل والمكافئ لشخصية أبي زيد الهلالي الشيعي.
وإلى لقاء قريب في الحلقة القادمة إن شاء الله.
المصادر لمن أراد التوثيق:
- سير أعلام النبلاء
- تاريخ ابن خلدون
- تاريخ الفتح العربي في ليبيا
- الدولة الفاطمية – د. علي الصلابي
- المشاهير والأعلام – المعز بن باديس (الزناتي خليفة)
لا تنسوا مشاركة المقال مع أصدقائكم وزيارة المدونة لمزيد من المواضيع الشيقة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى كتابة تعليقك هنا. نحن نقدر ملاحظاتك! شاركنا رأيك أو استفسارك، وسنكون سعداء بالرد عليك